وَاللَهِ ما مَعشَرٌ لاموا اِمرَأً جُنُباً
في آلِ لَأيِ بنِ شَمّاسٍ بِأَكياسِ
عَلامَ كَلَّفتَني مَجدَ اِبنِ عَمِّكُمُ
وَالعيسُ تَخرُجُ مِن أَعلامِ أَوطاسِ
ما كانَ ذَنبُ بَغيضٍ لا أَبا لَكُمُ
في بائِسٍ جاءَ يَحدو آخِرَ الناسِ
لَقَد مَرَيتُكُمُ لَو أَنَّ دِرَّتَكُم
يَوماً يَجيءُ بِها مَسحي وَإِبساسي
وَقَد مَدَحتُكُمُ عَمداً لِأُرشِدَكُم
كَيما يَكونَ لَكُم مَتحي وَإِمراسي
وَقَد نَظَرتُكُمُ إِعشاءَ صادِرَةٍ
لِلخَمسِ طالَ بِها حَبسي وَتَنساسي
فَما مَلَكتُ بِأَن كانَت نُفوسُكُمُ
كَفارِكٍ كَرِهَت ثَوبي وَإِلباسي
لَمّا بَدا لِيَ مِنكُم غَيبُ أَنفُسِكُم
وَلَم يَكُن لِجِراحي مِنكُمُ آسي
أَزمَعتُ يَأساً مُبيناً مِن نَوالِكُمُ
وَلَن تَرى طارِداً لِلحُرِّ كَالياسِ
أَنا اِبنُ بَجدَتِها عِلماً وَتَجرِبَةً
فَسَل بِسَعدٍ تَجِدني أَعلَمَ الناسِ
ما كانَ ذَنبُ بَغيضٍ أَن رَأى رَجُلاً
ذا فاقَةٍ عاشَ في مُستَوعَرٍ شاسِ
جارٌ لِقَومٍ أَطالوا هونَ مَنزِلِهِ
وَغادَروهُ مُقيماً بَينَ أَرماسِ
مَلّوا قِراهُ وَهَرَّتهُ كِلابُهُمُ
وَجَرَّحوهُ بِأَنيابٍ وَأَضراسِ
دَعِ المَكارِمَ لا تَرحَل لِبُغيَتِها
وَاِقعُد فَإِنَّكَ أَنتَ الطاعِمُ الكاسي
وَاِبعَث يَساراً إِلى وُفرٍ مُذَمَّمَةٍ
وَاِحدِج إِلَيها بِذي عَركَينِ قِنعاسِ
سيري أُمامَ فَإِنَّ الأَكثَرينَ حَصىً
وَالأَكرَمينَ أَباً مِن آلِ شَمّاسِ
مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ
لا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ
ما كانَ ذَنبِيَ أَن فَلَّت مَعاوِلَكُم
مِن آلِ لَأيٍ صَفاةٌ أَصلُها راسِ
قَد ناضَلوكَ فَسَلّوا مِن كِنانَتِهِم
مَجداً تَليداً وَنَبلاً غَيرَ أَنكاسِ
الحطيئة
(( من اروع ابيات الهجاء ))
قصة القصيدة :
الحطيئـة هو جرول بن أوسٍ، ولد في بني عبس ، ولقب الحطيئة لقصره وقربهمن الأرض،
ويكنى أبا مليكة ، وكان شاعراً مخضرماً ، وكيف ما كان فإنه كان رقيق الإسلام،لئيم الطبع.
وكان الحطيئة جاور الزبرقان بن بدرٍ وهو سيد من سادات بني تميم ، فلميحمد جواره،
فتحول عنه إلى بغيضٍ فأكرم جواره، فقال يهجو الزبرقان ويمدح بغيضاً:
ما كان ذَنْبُ بَغِيضٍ أَنْ رَأَى رَجْلاً ...
ذَا حاجَة عاشَ في مُسْتَوْعَرٍ شَاسِ
جاراً لِقَوْمٍ أَطـالُوا هُونَ مَنْــزِلِه ...
وغــادَرُوهُ مُقيماً بينَ أَرْمَاسِ
مَلّـوا قرَاهُ وهَرَّتْهُ كِــــلاَبُهُمُ ...
وجَرَّحُوهُ بأَنْيابٍ وأَضْــرَاسِ
دَعِ المَـــكَارمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا ...
واقْعُدْ فإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الكَاسِى
ولهذا الخبر؛ ذكر الرواة: أن الزبرقان بن بدر اشتكى الحطيئة الى عمر بنالخطاب رضي الله عنه
وقال: هجاني بقوله:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي
فقال عمر: ما أرى هذا هجاءً؛ وكان أعلم بذلك من كل أحد، ولكنه أراد درءالحدود بالشبهات.
فقال الزبرقان: هذا حسان بن ثابت. فقال: علي بحسان، فأنشده الشعر.
فقال:نعم هجاه يا أمير المؤمنين،فأحضر الحطيئة، وقال: هات الشفرة أقطعلسانه ؟
فاستشفع فيه فحبسه، فكتب إليه من الحبس:
ماذا تقول لأفراخ بـذي مَرَخٍ ...
زغبِ الحواصِل لا ماء ولا شجرُ
ألقيت كاسبَهم في قعر مظلمـةٍ ...
فاغفرْ عليك سلامُ الله يا عمرُ
أنت الإِمامُ الذي من بعد صاحبِهِ ...
ألقى إليك مقاليدَ النُّهَى البشرُ
لم يؤثــروك بها إذ قدَّموك لها ...
لكن لأنفسِهم كانت بك الأُثَرُ
فامنُنْ على صِبيةٍ مسكنُهم ...
بين الأباطح تَغْشاهم بها القِرَرُ
أهلي فـدَاؤُكَ كم بيني وبينهُم ...
من عَرْض داوِيةً تَعْمَى بها الخُبُرُ
فبكى عمر وأحضره. فقال: قد والله يا أمير المؤمنين هجوت أبي وامرأتي وأمي.
قال: وكيف ذلك ؟ قال قلت لأبي:
لحَــاكَ اللهُ ثم لحَاكَ حقّاً ... أَباً ولحَــاكَ من عَمٍّ وخالِ
فنعِمْ الشَّيْخُ لَدَى المَخَازِى ... وبِئسَ الشَّيْخُ أَنْتَ لَدَى المَعَالِى
جَمَعْتَ اللُّؤْمَ لا حَيَّاكَ رَبِّى ... وأَبْـوابَ السَّفَاهةِ والضَّلاَلِ
وقلت لأمي:
تَنَحَّىْ فاقْعُـدِى مِنِّـى بَعِيداً ... أَراحَ اللهُ مِنْكِ العالَمِينَا
أَلَمْ أُوِضح لَـكِ البَغْضاءَ مَنى ... ولكِنْ لا إِخالُكِ تَعْقِلينَا
أَغِرْبالاً إِذَا اسْتُودِعْــتِ سِراً ... وكانُوناً على المُتَحَدَّثِينَا
جَزاكِ اللهُ شَراً مِنْ عَجْــوزٍ ... ولَقَّاكِ العُقُوقِ مِنَ البَنينَا
حَيَاتُكِ ما عَلِمْتُ حَيَاةُ سَوْءٍ ...ومَوْتُكِ قد يَسُرُّ الصَّالِحينَا
وقلت لامرأتي:
أطوّف ما أُطــوّف ثم آوي ... إلى بيت قعيــدته لكاع
واطلعت في بئر فرأيت وجهي قبيحاً فقلت:
أبت شفتـاي اليوم إلاّ تكلّما ... بسوءٍ فلا أدري لمن أنا قائله
أرى لي وجهـاً قبّح اللّه خلقه ... فقبّح من وجهٍ وقبّح حامله
فتبسم عمر ، وقال: فإن عفونا عنك، أتهجو بعدها أحداً ؟
قال: لا يا أمير المؤمنين، وعلي بذلك عهد الله !
فقال: لكأني بفتىً من قريش
قد نصب لك نمرقة، فاتكأت عليها، وأقبلت تنشده في أعراض المسلمين.
قال: أعوذ بالله يا أمير المؤمنين.
فأطلقه الخليفة واشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، فتوقف عنالهجاء،
ولكن يقال أنه رجع للهجاء بعد مقتل عمر بن الخطاب.
قال بعض الرواة: فوالله لقد رأيته عند عبيد الله بن زياد على الحال التي ذكرعمر،
فقلت له: لكأن أمير المؤمنين عمر كان حاضراً لك اليوم، فتأوه.
وقال: رحم الله ذلك المرء، فما أصدق فراسته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق