لمّا استخلف عمر بن عبد العزيز جاءه الشعراء فجعلوا لا يصلون إليه؛ فجاء عونبن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود و عليه عمامة قد أرخى طرفيها فدخل؛ فصاح بهجرير:
يا أيّها القارئ [1] المرخى عمامته
هذا زمانك إنّي قد مضى زمني
أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه
أنّي لدى الباب كالمصفود في قرن
قال: فدخل على عمر فاستأذن له، فأدخله عليه. و قد كان هيأ له شعرا، فلما دخلعليه غيّره و قال:
إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا
من الخليفة ما نرجو من المطر
نال الخلافة إذ كانت له قدرا
كما أتى ربّه موسى على قدر
أ أذكر الجهد و البلوى التي نزلت
أم تكتفي بالذي بلّغت من خبري
ما زلت بعدك في دار تعرّفني [2]
قد طال بعدك إصعادي و منحدري
لا ينفع الحاضر المجهود بادينا
و لا يجود لنا باد على حضر
كم بالمواسم من شعثاء أرملة
و من يتيم ضعيف الصوت و البصر
يدعوك دعوة ملهوف كأنّ به
خبلا من الجنّ أو مسّا من النّشر [3]
/ ممّن يعدّك تكفي فقد والده
كالفرخ في العشّ لم ينهض و لم يطر
/ قال: فبكى عمر ثم قال: يا ابن الخطفى، أ من أبناء المهاجرين أنت فنعرف لكحقّهم، أم من أبناء الأنصار فيجب لك ما يجب لهم، أم من فقراء المسلمين فنأمرصاحب صدقات قومك فيصلك بمثل ما يصل به قومك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ماأنا بواحد من هؤلاء، و إني لمن أكثر قومي مالا، و أحسنهم حالا، و لكنّي أسألكما عوّدتنيه الخلفاء: أربعة آلاف درهم و ما يتبعها من كسوة و حملان. فقال لهعمر: كلّ امرئ يلقى فعله، و أمّا أنا فما أرى لك في مال اللّه حقّا، و لكن انتظر،يخرج عطائي، فأنظر ما يكفي عيالي سنة منه فادّخره لهم، ثم إن فضل فضلصرفناه إليك. فقال جرير: لا، بل يوفّر أمير المؤمنين و يحمد و أخرج راضيا؛ قال:فذلك أحبّ إليّ؛ فخرج. فلما ولّى قال عمر: إن شرّ هذا ليتّقى؛ ردّوه إليّ، فردّوهفقال: إن عندي أربعين دينارا و خلعتين إذا غسلت إحداهم