شاعرنا هو عمارة اليماني، وهو الفقيه أبو محمد عمارة الملقب بنجم الدين.. استقر في مكة، ثم توجه الى مصر سنة 550 هـ، وكان صاحبها يومئذ، الفائز بن الظافر، ووزيره الصالح بن رُزيك فمدحهما بقصيدة ميمية التي منها:
فهل درى البيت أني بعد فرقته *** ما سرت من حرم إلا إلى حرم
ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها *** عقود مدح فما أرضى لكم كلمي
ثم عاد الى مكة ومنها الى زبيد بلده في اليمن ولكن صاحب مكة ارسله ثانية الى مصر فاستوطن من سنة 552 هـ، وكان موالياً لآل بيت النبوة، ويقول فيهم الشعر مادحاً وكانت بينه وبين الكامل بن شاور صحبة متأكدة قبل وزارة أبيه، فلما وزر ابوه استحال عليه وجفاه، فكتب اليه عمارة اليمني يعاتبه بقصيدة جميلة سرت بعض ابياتها مسرى الامثال والحكمة الى هذا اليوم.
اذا لم يُسالِمْك الزَّمانُ فحارِبِ *** وباعدْ اذا لم تنتفعْ بالأَقاربِ
ولا تحتقِرْ كَيْد الضَعيف فَرُبَّما *** تموتُ الأَفاعي من سُمومِ العقارب
فقد هَدَّ قِدْماً عرشَ بلقيسَ هدْهُدٌ *** وخْرّبَ فأْرٌ قبلَ ذا سَدَّ مَأْرِبِ
فَبيْنَ اختلاف اللَّيْلِ والصُّبْحِ مَعْرَكٌ *** يَكُرُّ علينا جيشُه بالعجائب
وبعد ذلك اخذ يعاتبه على الصدود والهجران، ونكرانه بعد تلك الصحبة لمجرد ان والده تولى الوزارة.
وما راعني غَدْرُ الشَّباب لأَنَّني *** أَنِسْتُ بهذا الخُلْق من كُلِّ صاحب
وغَدْرُ الفتى في عَهْدِه ووفائِه *** وغدرُ المَواضي في نُبُوِّ المَضارب
ثم زالت دولة الفاطميين وتولى مصر صلاح الدين، وذكر ابن خلكان وتكالب خصوم عمارة اليمني عليه وجاء في شرح لامية العجم للصفدي ان عمارة حزن كثيراً على زوال دولة الفاطميين فرثى اهل القصرين، قصر صاحب مصر، وقصر وزيره بقصيدة قال فيها:
رميت يا دهر كف المجد بالشلل *** ورعته بعد حسن الحلي بالعطل
ومنها:
قدمت مصر فأولتني خلائقها *** من المكارم ما أربى على الأمل
يا عاذلي في هوى أبناء فاطمة *** لك الملامة إن قصرت في عذلي
بالله زر ساحة القصرين وابك معي *** عليهما لا على صفين والجمل
والقصيدة طويلة، فلما بلغت السلطان صلاح الدين غضب وتغير عليه، وقال ان العلماء افتوا بقتله بسبب بيت في قصيدته الميمية رأوا فيه زندقة.
واتهم اليمني بدسيسة من اعدائه فنسبوا اليه هذا البيت وهو لم يقله، وضموه الى سبعة رجال قيل انهم كانوا يريدون قلب حكومة صلاح الدين وارجاع حكم الفاطميين فصلبوه مع السبعة وفي هذا يقول الصفدي:
ولا يستبعد ان يكون القاضي الفاضل تمالأ عليه واختار هلاكه، لأن صلاح الدين استشاره في أمر عمارة فأشار صلاح الدين بضربه فقط، فقال القاضي الفاضل الكلب يسكت ثم ينبح فقال صلاح الدين يسجن.. فقال القاضي يرجى له الخلاص فقال صلاح الدين: يقتل قال القاضي الملوك اذا ارادوا شيئاً فعلوه ونهض صلاح الدين فأمر بصلبه مع الجماعة فلما قبض عليه قال مروا بي على باب القاضي الفاضل فلما رآه مقبلاً اسرع واغلق عليه الباب فقال عمارة:
عبدالرحيم قد احتجب
إن الخلاص من العجب
هكذا في العهود السابقة كلما أبدى أحد رأيه وفيه اعتراض لنظام الحكم أتهم بالكفر والزندقة لخروجه عن طاعة الحاكم ونظامه – هذا هو عمارة اليمني.
إذا لم يسالمك الزمان فحارب
وباعد إذا لم تنتفع بالأقارب
إذا كان أصلي من تراب فكلها
بلادي وكل العالمين أقاربي
ولا تحتقر كيد الضعيف فربما
تموت الأفاعي من سموم العقارب
فقد هد قدماً عرش بلقيس هدهد
وخرب فأر قبل ذا سد مأرب
إذا كان رأس المال عمرك فاحترز
عليه من الإنفاق في غير واجب
فبين اختلاف الليل والصبح معرك
يكر علينا جيشه بالعجائب
وما راعني غدر الشباب لأنني
أنست بهذا الخلق من كل صاحب
وغدر الفتى في عهده ووفائه
وغدر المواضي في نبو المضارب
إذا كان هذا الدر معدنه فمي
فصونوه عن تقبيل راحة راهب
رأيت رجالاً أصبحت في مآدب
لديك وحالي وحدها في نوادب
تأخرت لما قدمتهم علاكم
علي وتأبى الأسد سبق الثعالب
ترى أين كانوا في مواطني التي
غدوت لكم فيهن أكرم نائب
ليالي أتلو ذكركم في مواقف
حديث الورى فيها بغمز الحواجب
التوقيع : الصديق ابوروعة |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق