ألا مَن مُبلِغُ الأَحلافِ عَنِّي
فَقَد تُهدَى النَصيحة للنصيحِ
فأنَّكم وما تُزجُونَ نحوي
مِنَ القَولِ المُرَغَّى والصَريحِ
سَيَندَمُ بَعضُكُم عَجلاً عليه
وما أَثرى اللِسانُ إِلى الجَرُوحِ
ابت لي عفَّتِي وأَبى بَلائي
وأَخذِي الحَمدَ بالثَمَنِ الرَبِيحِ
وإِعطائي على المكروهِ مالي
وضَربي هامَةَ البَطَلِ المُشِيحِ
بِذي شطَبٍ كَلَونِ المِلحِ صافٍ
ونَفسٍ ما تَقر على القبيحِ
وقَولي كَلَّما جَشأت وجاشَت
مَكانَكِ تُحمَدِي أو تستريحي
لأَدفَعَ عَن مآثرَ صالحاتٍ
وأحمي بَعدُ عن عِرضٍ صَحِيحِ
أُهِينُ المالَ فيما بَينَ قَومِي
وأدفَعُ عَنهمُ سُنَنَ المَنِيحِ
ابت لي أَن أُقضِّي في فعالي
وأَن أُغضِي على أمرٍ قبيحِ
فأما رُحتُ بالشرفِ المُعلى
وإِما رُحتُ بالموتِ المُرِيحِ
قرَت أحسابُنا كرما فأَبدَت
لنا الضراءُ عن أُدُمٍ صحاحِ
ولم يُظهر لنا عُقراتِ سَوءٍ
جمودُ القطرِ أو بكءُ اللقاحِ
عمرو بن الاطنابة هو عمرو بن عامر بن زيد مناة الكعبي الخزرجي، شاعر جاهلي وفارس، كان أشرف الخزرج، اشتهر بنسبته إلى أمه الاطنابة بنت شهاب، من بني القين من قضاعة، وفي الرواة من يعدّه من ملوك العرب في الجاهلية، كانت إقامته بالمدينة، وكان على رأس الخزرج في حرب لها مع الأوس.
قال معاوية بن أبي سفيان
: لقد وضعت رجلي في الركاب يوم صفينوهممت بالفرار فما منعني إلا قول ابن الإطنابة:
أبت لي عفتي وأبي إبائي
وأخذي الحمد بالثمن الربيح
الحارث بن ظالم وعمرو بن الاطنابة
لما بلغ عمرو بن الإطنابة الخزرجي مقتل خالد بن جعفر الكلابي على يد الحارث بن ظالم المري وكان خالد صديقًا لابن الاطنابة، قال: والله لو وجده يقظان ما أقدم عليه ولوددت أني لقيته.[2]
وبلغ الحارث قوله وقال: والله لآتينه في رحله ولا ألقاه إلا ومعه سلاحه فبلغ ذلك ابن الإطنابة فقال أبياتًا منها:
أبلغ الحارث بن ظالمٍ الموعد
والناذر النّذور عليّا
إنّما تقتل النيام ولا تقتل
يقظان ذا سلاح كميّ
فبلغ الحارث شعره فسار إلى المدينة وسأل عن منزل ابن الإطنابة فلما دنا منه نادى: يا ابن الإطنابة أغثني! فأتاه عمرو فقال: من أنت قال: رجل من بني فلان خرجت أريد بني فلان فعرض لي قوم قريبًا منك فأخذوا ما كان معي فاركب معي حتى نستنقذه.
فركب معه ولبس سلاحه ومضى معه فلما أبعد عن منزله عطف عليه وقال: أنائمٌ أنت أم يقظان فقال: يقظان.
فقال: أنا أبو ليلى الحارث بن ظالم وسيفي المعلوب فألقى ابن الإطنابة سيفه وقيل: رمحه وقال: قد أعجلتني فأمهلني حتى آخذ سيفي.
فقال: خذه.
قال: أخاف أن تعجلني عن أخذه.
قال: لك ذمة ظالم لا أعجلك عن أخذه.
قال: فوذمة الإطنابة لا آخذه ولا أقاتلك! فانصرف الحارث وهو يقول أبياتًا منها:
بلغتنا مقالة المرء عمروٍ
فالتقينا وكان ذاك بديا
فهممنا بقتله إذ برزنا
ووجدناه ذا سلاح كميّا
غير ما نائمٍ يروّع بالفتك
ولكن مقلّداً مشرفيّا
فمننّا عليه بعد علوّ
بوفاء وكنت قدماً وفيّا