قصيدة الحارث بن عباد ” قربا مربط النعامة مني “
كل شيء مصيره للزوالي
غير ربي وصالح الأعمال
قل لأم الأ غـر تبكي جبيرا
ما أتي الماء من رؤوس الجبال
اذا ما جالت الخيل يوم حرب عضال
وتساقي الكماة سمـــــا نقيعا
يا لبكر غراء كالتمثــــــال
يا جبير الخيرات لا صلح حتي
نملأ البيد من رؤوس الرجال
وتقر العيون بعــــــــد بكاهـــا
حين تسقي الدما صدور العوالي
الحرب عجيج الجمال بالأثقال
لم أكن من جانتها علم الله
واني بحرها اليوم صـــــال
يا بني تغلب خذوا الحــــــــذر
انا قد شربنا بكأس موت زلال
يا بني تغلب قتلتم قتيـــــــــلا
ما سمعنا بمثله في الخوالي
قربا مربط النعامـــــــة مني
قربا مربط النعامــــــة مني
شاب رأسي وانكرتني العوالي
طال ليلي علي الليالي الطوال
قربا مربط النعامـــــــة مني
لا نبيع الرجال بيع النعال
لا عتناق الكماة يوم القتال
فقريناه حين رام قـــــــــــــرانا
كل ماضي الذباب عضب الصقال
والنعامة هي فرس الحارث بن عباد، ويقال لم يكن لها مثيل في زمانها، وقربا مربط النعامة، هو نداء استخدمه الحارث يطلب فيه من غلامين عنده أن يحضروا له فرسه إيذانًا ببدء الحرب، ليثأر لمقتل ابنه.
مناسبة قصيدة قربا مربط النعامة مني
كان بجير بن الحارث هو ابن الحارث بن عباد الذي حضر زمن حرب البسوس واشتهرت قوة الحارث ابن عباد بين القبائل العربية حيث أنه شارك في الكثير من أيام العرب ، إلا حرب البسوس اقتتل فيها قبيلتي بكر وتغلب، وكان الحارث بن عباد من شجعان بكر وسادتها لكنه اعتزل هذه الحرب هو وأهله ، وقال المقولة الشهيرة ” هذا أمر لا ناقة لي فيه ولا جمل” وهذا دليل على حكمة الحارث، وكانت الحرب قد وقعت بعد أن قتل جساس بن مرة زوج أخته كليب بن ربيعة بسبب ناقة، فقرر أخيه المهلهل ابن ربيعة أن ينتقم من بكر شر انتقام فداءًا لأخيه الذي كان ملكًا على القبائل العربية.
وفي يوم من الأيام طلب رجال بكر من الحارث أن يتوسط بينهم وبين أبناء عمومتهم من قبيلة تغلب حتى يوقف الزير سالم قتالهم، فجمع الحارث وفدًا وأرسل معهم ابنه بجير بن الحارث بن عباد وذهبوا به إلى المهلهل سيد تغلب وكان بجير مازال غلامًا، وقد يكون من الغريب أن يعرف البعض من هي أم بجير بن الحارث بن عباد، حيث تذكر بعض الكتب أنها أخت كليب والمهلهل وكانت من شاعرات العرب وتسمى ” أم الأغر بنت ربيعة”.
ولما وصل الوفد إلى الزير سالم أعطوه رسالة كان قد كتبها له الحارث، يطلب منه فيها أن يوقف القتال، ويقتل ابنه إن شاء على أن ينهي ثأره، فقال له المهلهل من أنت قال له أنا بجير بن الحارث بن عباد، وقد علمت أن أبي كره هذا الأمر واعتزله، فأمر بقتله المهلهل وقال ” بشسع نعل كليب، بمعنى أنه قتل فداء لرباط نعل كليب، فقال الغلام ” إذا رضيت بذلك بنو ضباعة رضيت: وقتل المهلهل الغلام.
بلغ الحارث بن عباد ما جرى مع ابنه، وقالوا له إن بجير قتل، قال الحارث ” نعم القتيل قتيلًا يصلح الله به بين الحيين” ، وكان يظن أن المهلهل قد قتل ابه بكليب وأن الحرب ستهدأ بين بكر وتغلب.
فأخبره القوم ما قاله المهلهل ” بشسع نعل كليب”، فغضب وقال المثل العربي ” الأمور مخلوجة وليست سلكى” فأصبحت المقولة مثلا عربيًا شهير، وقال أيضًا قصيدة الحارث بن عباد في رثاء ابنه بجير ” قربا مربط النعامة” والتي تعد أشهر قصيدة قيلت في حرب البسوس.
وسأل الحارث عما قاله بجير قبل قتله، فقالوا له قال: ” إن رضيت بنو ضباعة رضيت”، فحزن الحارث بن عباد ومن شدة غيظه، قال ” والله لا أكف عن تغلب حتى تحدثني فيهم الأرض”، وبدأت حرب الزير سالم مع ابن عباد الحقيقيه.
النعامة هي اسم فرس الحارث، والبيت يعني ” لقحت: حملت” فقد شبه الحرب بناقة لا تحمل ولا تلد، لكنه لما دخل إلى الحرب فإنها ستلد أي أنها سيكثر قتلاها “.
وقال أنه قد اعتزلها لكنه اليوم سيشارك في الحرب، ويقول الحارث أن بجير ليس أغلى من مات في الحرب وأنه كان يرجو أن تتوقف الحرب بين أبناء العمومة بعد التضحية بدماء ابنه، لكن قتل غلام بشسع نعل هو أمر قاسي عليه.
وبالفعل عندما شارك الحارث بن عباد في الحرب قتل عدد كبير من رجال وأصبحت الغلبة لقبيلة بكر في كل المعارك التي شارك فيها ،حتى أن بعض رجال بكر لما اشتد عليهم أمر الحارث، وكانوا قد عرفوا ما قاله سابقًا بأنه لن ينتهي حتى تكلمه الأرض، فقرروا حفر خندق، ووضعوا فيه رجلًا منهم، فلما مر الحارث من أمام الخندق، قال له الرجل بعض أبيات من الشعر يحثه فيها على الرفق بهم، وهذه الأبيات تقول:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا، حنانيك بعض الشر أهون من بعض.
فلما سمع الناس بذلك قالوا له لقد حدثتك الأرض فبر بقسمك، فوافق على عقد الصلح مع تغلب وانتهت حرب البسوس