ربيعة بن مكدم أشجع فرسان العرب حامي الظعائن
نسبة:
هو ربيعة بن مكدم بن عامر بن خويلد بن جذيمة بن علقمة بن فراس بن غنم بنثعلبة بن مالك بن كنانة و قد نسبه ابن الكلبي فقال ربيعة بن مكدم بن حدبان بنجذيمة بن علقمة و في كلا الحالتين فالفارس من بني فراس من كنانة
و هو أشجع رجل عرفه العرب و من فرسان العرب المشهورين و المعدودين صاحبالفرس : اللطيم ، ينتمي ربيعة إلى أشرف بيوتات بني مالك بن كنانة و أحدأشجع و أنجد أحياء العرب إذا كان جده جذل الطعان علقمة بن فراس من أشهرفرسان العرب و كان ذا شعر و فخر كما كان بنو فراس قلانسة العرب أصحابالنسئ و عد بعض المؤرخين الرجل من بني فراس الكنانية بعشرة من غيرهم
و قال الإمام علي بن أبي طالب لجيشه من أهل الكوفة يوم صفين : (( وددت واللهأن لي بجميعكم، وأنتم مائة ألف، ثلثمائة من بني فراس بن غنم، صرف الديناربالدرهم! ))
كناية عن شجاعتهم و بلائهم و ثباتهم الشديد في الحروب و كانوا يسكنونجنوب مكة ثم هاجر بعض منهم إلى صعيد مصر بساقية قلتة و بالبهنسا وإلى الشام أيام الفتوحات الإسلامية.
كان ربيعة بن مكدم أحد أشهر فرسان قبيلة كنانة في عصره و كان شجاعا مهابارغم صغر سنه حتى إن العرب ضربت به المثل في الشجاعة و الحمية فيقال :
"أشجع من ربيعة بن مكدم" و "أحمى من مجير الظعن"
و لم يكن يهاب أحدا إذ كان يلقى الرجل الواحد و يلقى مئات الرجال فما يثنيهذلك عن شئ
يقول عنه أبو عبيدة معمر بن المثنى : (( فارس كنانة ربيعة بن مكدم الفراسيأحد بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة كان يعقر على قبره ولا يعرف فيالجاهلية الجهلاء عربي كان يعقر على قبره غيره ، كان لا يمر به رجل من العربإلا عقر )) .
و من أخباره أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لقي الفارس عمرو بن معديكربالزبيدي فسأله عن أفرس العرب فقال عمرو الزبيدي :
يا أمير المؤمنين، قد كنت أكره الكذب في الجاهلية وأنا مشرك فكيف إذ هداني اللهتعالى للإسلام؟ لقد قلت ذات يوم لخيل من بني ذهل: هل لكم في الغارة؟ قالوا:على من؟ قلت: على بني البكاء، قالوا: مغار بعيد على شدة كلب وقلة سلب،قلت: فعلى من؟ قالوا: على هذا الحي من كنانة فإنه بلغنا أن رجالهم خلوف. فخرجت في خيل حتى انتهيت إلى واد من أوديتهم فدفعت إلى قوم سراة؛ قال لهعمر: وما أدراك أنهم سراة؟ قال: انتهيت إلى قباب عظيمة من أدم، وقدور متأقةوإبل وغنم، فقال عمر: هذا لعمري علامة السرور، قال عمرو: فانتهينا إلىأعظمها قبة فأكشفها عن جارية مثل المهاة، فلما رأتني ضربت يدها على صدرهاوبكت، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: ما أبكي على نفسي ولا على المال، فقلت: على أيشيء تبكين؟ قالت: على جوار أتراب لي قد ألفتهن وهن في هذا الوادي، قال:فهبطت الوادي على فرسي فإذا أنا برجل قاعد يخصف نعله، وإلى جانبه سيفموضوع، فلما رأيته علمت أن الجارية قد خدعتني وما كرتني، فلما رآني الرجلقام غير مكترث، ثم علا رابية، فلما نظر إلى قباب قومه مطروحة حمل علي وهويقول:
قد علمت إذ منحتني فاها ... ولحفتني بكرة رداها
أني سأحمي اليوم من حماها ... يا ليت شعري ما الذي دهاها
فقلت مجيبا له:
عمرو على طول السرى دهاها ... بالخيل يزجيها على وجاها
حتى إذا جل بها احتواها
ثم حملت عليه وأنا أقول:
أنا ابن عبد الله محمود الشيم
مؤتمن الغيب وفي بالذمم
من خير من يمشي بساق وقدم
قال: فحمل علي وهو يقول:
أنا ابن ذي الاقيال أقيال ألبهم
من يلقني يُود كما أُودت إرم
أتركه لحما على ظهر وضم
قال: واختلفنا ضربتين، فأضربه أحذر من العقعق، ويضربني أثقف من الهر،فوقع سيفه في قربوس سرجي فقطعه، وعض كاثبة الفرس، فوثبت على رجليقائما وقلت: يا هذا ما كان يلقاني من العرب إلا ثلاثة: الحارث بن ظالم لسنهوالتجربة، وعامر بن الطفيل للشرف والنجدة، وربيعة بن مكدم للحياء والبأس،فمن أنت ثكلتك أمك؟ قال: بل من أنت ثكلتك أمك؟ قلت: أنا عمرو بن معدي كربالزبيدي، قال: وأنا ربيعة بن مكدم، قلت: اختر مني إحدى ثلاث خصال: إما أننتضارب بسيفينا حتى يموت الأعجز؛ وإما أن نصطرع فأينا صرع صاحبهقتله، وإما المسالمة، قال: ذاك إليك فاختر، قلت: إن بقومك إليك حاجة وبقوميإلي حاجة، والمسالمة أولى وخير للجميع. ثم أخذت بيده فأتيت به أصحابيوقلت لهم: خلوا ما بأيديكم قالوا: يا أبا ثور غنيمة باردة بأيدينا تأمرنا أننتركها؟ فقلت لهم: لو رأيتم ما رأيت لخليتم وزدتم، خلوا وسلوني عن فرسي مافعل؛ قال: فتركنا ما بأيدينا وانصرفنا راجعين.
و من قصص ربيعة بن مكدم أيضا أن جمعا من قبيلة غامد من الأزد غزوا بنيفراس من كنانة في مئتي رجل من غامد وقالوا حين شارفوا الحي :
كم ترون يلقانا ونحن مئتا رجل؟
فلقيهم ربيعة بن مكدم لوحده فهزمهم و رد جمعهم
و قد قالت امرأة من غامد في هزيمة ربيعة بن مكدم لجمع غامد وحده :
ألا هل أتاها على نأيها ... بما فضحت قومها غامد
تمنيتم مائتي فارس ... فردكم فارس واحـد
فليت لنا بارتباط الخيول ... ضأنا لها حالب قاعد
أما أشهر ما عرف عن ربيعة بن مكدم فهو حمايته لظعن قومه أكثر من مرة - والظعن هو الهودج إذا حمل النساء - و قد كان ربيعة يلقب بـ
"حامي الظعائن" و "مجير الظعن"
و أولى تلك المرات في وادي الأخرم أحد وديان كنانة و قصته في ذلك
أن كنانة كانت لها حروب و غارات مع بني قيس عيلان بن مضر و فيها قتلوامنهم جمعا ثم ودوهم و لكن القيسية أعدوا للثأر فخرج دريد بن الصمة على رأسجمع من جشم من هوازن القيسية يبفون الغارة على بني فراس الكنانية فلقواظعنا لبني فراس يسوقها ربيعة بن مكدم لوحده
فلما نظر إليه دريد بن الصمة قال لفارس من أصحابه: صح به: خل عن الظعينةو انج بنفسك فلما انتهى الفارس إلى ربيعة صاح به و ألح عليه أن يتركالظعينة فألقى ربيعة زمام الناقة و قال :
سيرى على رسلك سير الآمن ... سير رداح ذات جأش ساكن
إن أنثنائي دون قرني شائني ... أبلى بلائي وأخبري وعايني
ثم حمل عليه فصرعه وأخذ فرسه فأعطاه للظعينة. فبعث دريد فارسا آخر لينظرما صنع صاحبه. فلما انتهى إليه ورأى ما صنع صاح به. فتصامم عنه كأن لميسمع. فظن أنه لم يسمع، فغشيه. فألقى زمام الراحلة إلى الظعينة، ثم خرج وهويقول:
خل سبيل الحرة المنيعة
إنك لاق دونها ربيعه
في كفه خطية مطيعه
أولا فخدها طعنة سريعه
والطعن مني في الوغى شريعه
ثم حمل عليه فصرعه. فلما أبطأ على دريد بعث فارسا لينظر ما صنعا. فلماانتهى إليهما وجدهما صريعين، ونظر إليه يقود ظعينته ويجر رمحه. فقال لهالفارس: خل عن الظعينة. فقال للظعينة: أقصدي قصد البيوت، ثم أقبل عليهفقال:
ماذا تريد من شتيم عابس
ألم تر الفارس بعد الفارس
أرداهما عامل رمح يابس
ثم حمل عليه فصرعه وانكسر رمحه. و ارتاب دريد فظن أنهم قد أخذوا الظعينةوقتلوا الرجل. فلحق دريد ربيعة، وقد دنا من الحي، ووجد أصحابه قد قتلوا،فقال: أيها الفارس، إن مثلك لا يُقتل، ولا أرى معك رمحك والخيل ثائرة بأصحابها،فدونك هذا الرمح فإني منصرف إلى أصحابي ومثبطهم عنك. فانصرف إلىأصحابه، فقال: إن فارس الظعينة قد حماها وقتل أصحابكم و انتزع رمحي، ولامطمع لكم فيه. فانصرف القوم. فقال دريد في ذلك:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... حامي الظعينة فارسا لم يقتل
أردى فوارس لم يكونوا نهزة ... ثم استمر كأنه لم يفعل
متهللا تبدو أسرة وجهه ... مثل الحسام جلته كف الصيقل
يزجي ظعينته ويسحب رمحه ... متوجها يمناه نحو المنزل
وترى الفوارس من مهابة رمحه ... مثل البغاث خشين وقع الأجدل
يا ليت شعري من أبوه وأمه ... يا صاح من يك مثله لا يجهل
و رد عليه ربيعة بن مكدم قائلا:
إن كان ينفعك اليقين فسائلي ... عني الظعينة يوم وادي الأخرم
إذ هي لأول من أتاها نهبة ... لولا طعان ربيعة بن مكدم
إذ قال لي أدنى الفوارس منهم ... خل الظعينة طائعا لا تندم
فصرفت راحلة الظعينة نحوه ... عمدا ليعلم بعض ما لم يعلم
وهتكت بالرمح الطويل إهابه ... فهوى صريعا لليدين وللفم
ومنحت آخر بعده جياشة ... نجلاء فاغرة كشدق الأضجم
ولقد شفعتهما بآخر ثالث ... وأبى الفرار عن العداة تكرمي
و بعد أن رجع دريد بالجمع الهوازني عن بني فراس و قيل بعد ذلك بزمن اقتربربيعة من حما قومه و كان معه من بني فراس عبد الله بن جذل الطعان و أبوالفارعة الحارث بن مكدم بالكديد 42 ميلا عن مكة لقيه نبيشة بن حبيب السلميفي ركب لبني سليم القيسية يبغون الثأر من كنانة ، فلما رآهم الحارث قال :هؤلاء بنو سُليم يطلبون دماءهم ، فرد عليه ربيعة : أنا أذهب حتى أعلم علمالقوم فآتيكم بخبرهم وتوجه نحوهم ، فلما ذهب صاحت بعض ظعن كنانة: أنهرب ربيعة، فقالت أخته عزة بنت المكدم : أين ترة – نفرة ـ الفتى ؟ فعطف – وقدسمع قول النساء - فقال :
لقـد فـرقـن أنني غـيـر فـرق ... لأطـعنـن طـعـنــةً وأعــتـنـق
أصبحهم صاح بمحمر الحدق ... عضباً حساماً وسناناُ يأتـلق
ثم انطلق يعدو به فرسه ، فحمل عليه القوم و كان جريحا من آثار قتاله سابقا،فلقيه بعض بني سليم و طاردوه فقتل أحدهم و هو عائد إلى الظعن حتى انتهىإلى أمه فقال اجعلي على يدي عصابة ، وهو يرتجز :
شدي على عصب أم سيار
فـقد رزيت فارساً كالدينار
يطعن بالرمح أمام الأدبار
فقالت أمه:
إنا بنــو ثـعـلبـــة بـن مـالـك
مـــرور أخـبــــار لـنا كذلـك
من بيـن مقتول وبين هالـك
ولا يـكـون الـــــرزء إلا ذلـك
وشدت عليه عصابة ، فاستقاها ماءاً فقالت : إن شربت الماء مت !، فكر راجعاًيشتد على القوم ، وظل ينزف دمه حتى اثخن و شدت عليه عصو شدت عليهعصابة ، فاستقاها ماءاً فقالت له : إن شربت الماء مت ! فكر علي بني سليم راجعايشتد عليهم و ظل دمه ينزف حتى أثخن و رموه بالنبل و لم يجرؤ أحد منهم أنيقترب منه فقال للظعينة:
(( أوضعن ركابكن حتى تنتهين إلى البيوت – أي احثثن ركابكن على السيرالسريع – فاني ميت من هذا السهم وسوف ابقى لكم دونهم على العقبة و أعتمدعلى رمحي فلن يقدموا عليكن ما اقمت مكاني )) ، ففعلن ذلك … وهكذا حمىربيعة بن مكدم الأظعان حياً وميتاً ، ولم يفعل ذلك غيره و قال عمرو بن العلاء فيذلك: (( ولا نعلم قتيلا ولا ميتا حمى ظعائن غيره وإنه - يقصد ربيعة - يوم إذنغلام له ذؤابة ، وقد اعتمد على رمحه – كما قال – وهو واقف لهن على متن فرسه ،حتى بلغن مأمنهن ، وما تقدم القوم عليه )) ،
يقول أبو عمرو :
(( ولا نعلم قتيلا ولا ميتا حمى ظعائن غيره وإنه يومئذ غلام له ذؤابة، فما زالواقفا على متن فرسه معتمدا على رمحه إلى أن مات، وما تقدم القوم عليه، فقالنبيشة: إنه لمائل العنق على رمحه وما أظنه إلا قد مات، فرمى فرسه، فقمصتوزالت، فسقط عنها ميتا، وفاتهم الظعن، ولحقوا أبا الفرعة الحارث بن مكدمفقتلوه، وأمالوا على ربيعة أحجارا )) .
و مر لاحقا عمرو بن شقيق أحد شعراء قريش على قبر ربيعة ، فنفرت ناقته منتلك الأحجار، فقال يرثيه ويعتذر ألا يكون عقر على قبره، ويعير من أسلمه منقومه، و يقال أن هذه الأبيات لحسان بن ثابت:
نفرت قلوصي من حجارة حرة ... بنيت على طلق اليدين وهوب
لا تنفري يا ناق منه فإنه ... سباء خمر مسعر لحروب
لولا السفار وبعد خرق مهمه ... لتركتها تحبو على العرقوب
فر الفوارس عن ربيعة بعدما ... نجاهم من غمة المكروب
نعم الفتى أدى نبيشة بزه ... يوم الكديد نبيشة بن حبيب
كما رثاه عبدالله بن جذل الطعان بعدة قصائد منها :
خلى علي ربيعة بن مكدم ... حزنا يكاد له الفؤاد يزول
فإذا ذكرت ربيعة بن مكدم ... ظلت لذكراه الدموع تسيل
نعم الفتى حسبا وفارس بهمة ... يردي بشكته أقب دؤول
سبقت به يوم الكديد منية ... والناس إما ميت وقتيل
كيف العزاء ولا تزال خريدة ... تبكي ربيعة غادة عطبول
و قال في رثائه أيضا:
لأطلبن بربيعة بن مكدم ... حتى أنال عصية بن معيص
بقياد كل طمرة ممحوصة ... ومقلص عبل الشوى ممحوص
وقال أيضا:
ألا لله در بني فراس ... لقد أورثتم حزنا وجيعا
غداة ثوى ربيعة في مكر ... تمج عروقه علقا نجيعا
فلن أنسى ربيعة إذ تعالى ... بكاء الظعن تدعو يا ربيعا
وقال حسان بن ثابت يرثيه ويحض على من قتله و يعاتب بني بكر بن عبد مناةبن كنانة "بني علي" على عدم نصرتهم لبني عمهم من بني مالك و يحثهم علىأخذ الثأر:
سقى الغوادي رمسك ابن مكدم ... من صوب كل مجلجل وكاف
أبلغ بني بكر وخص فوارسا ... لحفوا الملامة دون كل لحاف
أسلمتم حذر الطعان أخاكم ... بين الكديد وقلة الأعراف
حتى هوى متزايلا أوصاله ... للخد بين جنادل وقفاف
لله در بني علي إن هم ... لم يثأروا عوفا وحي خفاف
و كان أبو بكر رضي الله عنه ينشد أبياتا سمعها من أبي حاتم عن أبي عبيدة لأمعمرو أخت ربيعة بن مكدم ترثيه فتقول:
ما بال عينك منها الدمع مهراق ... سحا فلا عازب عنها ولا راقي
أبكي على هالك أودى فأورثني ... بعد التفرق حزنا حره باقي
لو كان يرجع ميتا وجد ذي رحم ... أبقى أخي سالما وجدي واشفاقي
أو كان يفدى لكان الأهل كلهم ... وما أثمر من مال له راق
لكن سهام المنايا من نصبن له ... لم ينجه طب ذي طب ولا راقي
فاذهب فلا يبعدنك الله من رجل ... لاقى التي كل حي مثلها لاقي
فسوف أبكيك ما ناحت مطوقة ... وما سريت مع الساري على ساقي
أبكي لذكرته عبرى مفجعة ... ما إن يجف لها من ذكرة ماقي
و لم تلبث كنانة بعد ذلك أن أغارت على بني جشم فأَسر المخارق الكناني دريدبن الصمة سيد بن جشم من هوازن فبينما هو عندهم محبوس إذ جاءت نسوةيتهادين إليه فصاحت إحداهن فقالت: هلكتم وأهلكتم! هلكتم وأهلكتم! ماذا جرعلينا قومنا؟ هذا والله الذي أعطى ربيعة رمحه يوم الظعينة، ثم ألقت عليهثوبها، وقالت: يا آل فراس، أنا جارة له منكم، هذا صاحبنا يوم الوادي. فسألوه:من هو؟ فقال: أنا دريد ابن الصمة، فمن صاحبي؟ قالوا: ربيعة بن مكدم. قال: فمافعل؟ قالوا: قتلته بنو سليم. قال: فما فعلت الظعينة؟ قالت المرأة: أنا هي، وأناامرأته. فحبسه القوم وأتمروا أنفسهم، فقال بعضهم: لا ينبغي لدريد أن تكفرنعمته على صاحبنا، وقال الآخرون: لا والله لا يخرج من أيدينا إلا برضا المخارقالذي أسره. فانبعثت المرأة في الليل. وهي ربطة بنت الفارس جذل الطعان وقالت:
سنجزى دريدا عن ربيعة نعمة ... وكل امرئ يجزى بما كان قدما
فإن كان خيرا كان خيرا جزاؤه ... وإن كان شرا كان شرا مذمما
سنجزيه نعمى لم تكن بصغيرة ... بإهدائه الرمح الطويل المقوما
فلا تكفروه حق نعماه فيكم ... ولا تركبوا تلك التي تملأ الفما
فإن كان حيا لم يضق بثوابه ... ذراعا غنيا كان أو كان معدما
ففكوا دريدا من إسار مخارق ... ولا تجعلوا البؤسى إلى الشر سلما
فلما أصبحوا أطلقوه. فكسته وجهزته ولحق بقومه. فلم يزل كافا عن حرب بنيفراس حتى هلك.
و بعد مقتل ربيعة بن مكدم أغارت بنو سليم على بني فراس مجددا ببرزة فدعاعبدالله بن جذل الطعان إلى البراز فبارز أمير بني سليم ذا التاج مالك بن خالدبن صخر بن الشريد و هو يرتجز قائلا:
ادن بني قرف القمع
إني إذا الموت كنع
لا أستغيث بالجزع
فقتله ثم بارز أخاه كرز بن الشريد فقتله ثم بارز أخاهم الثالث عمرو فجرح كلواحد منهما الآخر و تحاجزا.
و قال عبدالله بن جذل في ذلك:
تجنبت هندا رغبة عن قتاله ... إلى مالك أعشو إلى ضوء مالك
فأيقنت أني ثائر ابن مكدم ... غداتئذ أو هالك في الهوالك
فأنفذته بالرمح حين طعنته ... معانقة ليست بطعنة باتك
وأثنى لكرز في الغبار بطعنة ... علت جلده منها بأحمر عاتك
قتلنا سليما غثها وسمينها ... فصبرا سليما قد صبرنا لذلك
فإن تك نسواني بكين فقد بكت ... كما قد بكت أم لكرز ومالك
و قال أيضا:
قتلنا مالكا فبكوا عليه ... وهل يغني من الجزع البكاء؟
وكرزا قد تركناه صريعا ... تسيل على ترائبه الدماء
فإن تجزع لذاك بنو سليم ... فقدو أبيهم غلب العزاء
فصبرا يا سليم كما صبرنا ... وما فيكم لواحدنا كفاء
فلا تبعد ربيعة من نديم ... أخو الهلاك إن ذم الشتاء
وكم من غارة ورعيل خيل ... تداركها وقد حمس اللقاء
و لم تتوقف الحروب و الثأرات بين بني فراس من كنانة و سليم و التي أججهامقتل ربيعة بن مكدم حتى جاء الإسلام و انتشر و قال في ذلك كعب بن زهير :
أبلغ كنانة غثها وسمينها ... النازلين رباعها بالقاطن
إن المذلة أن تظل دماؤكم ... ودماء عوف تقتضى بضغائن