أَجُبَيلُ إِنَّ أَباكَ كارِبُ يَومِهِ
فَإِذا دُعيتَ إِلى العَظائِمِ فَاِعجَلِ
أوصيكَ إيصاءَ اِمرِئٍ لَكَ ناصِحٍ
طَبِنٍ بِرَيبِ الدَهرِ غَيرِ مُغَفَّلِ
اللَهَ فَاِتَّقِهِ وَأَوفِ بِنَذرِهِ
وَإِذا حَلَفتَ مُمارِياً فَتَحَلَّلِ
وَالضَيفَ أَكرِمهُ فَإِنَّ مَبيتَهُ
حَقٌّ وَلا تَكُ لُعنَةً لِلنُزَّلِ
وَاِعلَم بَأَنَّ الضَيفَ مُخبِرُ أَهلِهِ
بِمَبيتِ لَيلَتِهِ وَإِن لَم يُسأَلِ
وَدَعِ القَوارِصَ لِلصَديقِ وَغَيرِهِ
كَي لا يَرَوكَ مِنَ اللِئامِ العُزَّلِ
وَصِلِ المُواصِلَ ما صَفا لَكَ وُدُّهُ
وَاِحذَر حِبالَ الخائِنِ المُتَبَدِّلِ
وَاِترُك مَحَلَّ السَوءِ لا تَحلُل بِهِ
وَإِذا نَبا بِكَ مَنزِلٌ فَتَحَوَّلِ
دارُ الهَوانِ لِمَن رَآها دارَهُ
أَفَراحِلٌ عَنها كَمَن لَم يَرحَلِ
وَإِذا هَمَمتَ بِأَمرِ شَرٍّ فَاِتَّئِد
وَإِذا هَمَمتَ بِأَمرِ خَيرٍ فَاِفعَلِ
وَإِذا أَتَتكَ مِنَ العَدُوِّ قَوارِصٌ
فَاِقرُص كَذاكَ وَلا تَقُل لَم أَفعَلِ
وَإِذا اِفتَقَرتَ فَلا تَكُن مُتَخَشِّعاً
تَرجو الفَواضِلَ عِندَ غَيرِ المُفضِلِ
وَإِذا لَقيتَ القَومَ فَاِضرِب فيهِمُ
حَتّى يَرَوكَ طِلاءَ أَجرَبَ مُهمَلِ
وَاِستَغنِ ما أَغناكَ رَبُّكَ بِالغِنى
وَإِذا تُصِبكَ خَصاصَةٌ فَتَجَمَّلِ
وَاِستَأنِ حِلمَكَ في أَمورِكَ كُلِّها
وَإِذا عَزَمتَ عَلى الهَوى فَتَوَكَّلِ
وَإِذا تَشاجَرَ في فُؤادِكَ مَرَّةً
أَمرانِ فَاِعمِد لِلأَعَفِّ الأَجمَلِ
وَإِذا لَقيتَ الباهِشينَ إِلى النَدى
غُبراً أَكُفُّهُم بِقاعٍ مُمحِلِ
فَأَعِنهُمُ وَأَيسِر بِما يَسَروا بِهِ
وَإِذا هُمُ نَزَلوا بِضَنكٍ فَاِنزِلِ
،،،
في الشعر القديم لمحات ذات مغزى إلى عناية الآباء بالأبناء ومساعدتهمبالرأي في ظروف الحياة الاجتماعية في ذلك الوقت. وأكثرها يجري مع محاسنالتصرفات التي تعد في مكارم الأخلاق وبعضها يبقى رهين ذلك الزمن بما فيهمن عادات أو وجوه اختلاف.
* وصية أب لابنه وهذا شاعر قديم، لم يدرك الإسلام في قول بعض المؤرخين،وأدركه في قول بعضهم الآخر: اسمه عبد قيس، ينتمي إلى قبيلة البراجم منبني تميم. عاش طويلاً شريفاً، شجاعاً، عظيماً في قومه.ومناسبة الوصية أنالشاعر تقدمت به السن ـــ كما قال في أول القصيدة ـــ وأراد أن يقدم لابنه ـــواسمه جبيل ـــ خلاصة تجاربه، وموجز نصائحه؛ قال يخاطبه:أجُبَيْلُ إن أباككارب يومه-فإذا دُعيت إلى العظائم فاعْجَلِ-فهو كارب أي دنا من أواخر أيامحياته. 1ـــ وأول وصية أن يفزع لمن يستنجد به في الأمور العظيمة (كالحربدفاعاً أو هجوماً، والجود بالمال الكثير.. الخ). 2ـــ ودعاه إلى تقوى الله، والوفاءبالنذور، وألا يحلف حلفاً مجادلاً.
اللّه فاتَّقِهِ وأَوْفِ بنَذْرِه
وإذا حَلفْتَ مَماَرياً فتَحلّل
والضيف أكرمْهُ فإن مبيتَهُ
حَقُّ ولا تكُ لَعْنَةً للنزّلِ
3ـــ وثالث الأمور قرى الضيف. وقد جعل إكرام الضيف حقاً له، وواجباً على منينزل عنده، والا فإن ال ضيوف سوف يلعنونه. وهذا شيء عظيم!
واعلم بأن الضيف مُخْبرُ أهلهِ
بمبيتِ ليلتهِ وإن لم يُسْألُ
4ـــ وللصديق حق أيضاً، قال:
وداع القوارص للصّديق وغيره
كي لا يَرَوْكَ من اللئامِ العُزّل
فهو يطلب إليه (والكلام موجه بالنصيحة) أن يدع قوارص الكلم (القبيح منه)كي لا يراك الناس كاللئيم المعتزل عن الناس!
5ـــ وطلب إليه أن يصل الذي يصله ويشد وثاق وده، وأن يحذر الصديقالمتلون الذي يتغير حسب الظروف.
6ـــ ونصح الأب ابنه بأمرين موصول أحدهما بالآخر:
واترك محلّ السوء لا تحلل به
وإذا نبا بك منزلُ فتحوّل
فالأمر الأول أن يبتعد عن مواطن الشبهات وأمكنة السوء، وأن يترك المكانالذي ينزل فيه (وإن كان المكان معجباً) إذا لم يعد منزل كرامةٍ أو منزل أمان،وزاد:
دار الهوان لمن رآها داره
أفَراحلَ عنها كمنْ لم يَرحْلِ؟
7ـــ ونصح الأب ابنه بالتروي في الشر والتعجيل بالخير:
وإذا همَمْتَ بأمرِ شرٍّ فاتّئد
وإذا هَمَمْت بأمر خيرٍ فافْعَلِ
8ـــ ونصحه بعزة النفس وإن أصابته الفاقة واشتد به الفقر وإذا قصد منيسعفه في الضرورة فليقصد كريماً معروفاً، بنبله وكرمه:
وإذا افتقرت فلا تكنْ متخشّعاً
تَرجْوُ الفواضل عند غير المُفْضل
واستغْن ما أغناك ربّك بالغِنى
وإذا تُصبْكَ خصاصة فتجمّل
ـــ فالخصاصة هي الفقر والحاجة، والتجمل: التجلد وتحمل مشاق الصبر.
ـــ والشاعر بهذا يرسم لابنه خطة أمر يمر بالناس حيناً أو أحياناً، لكي يحفظكرامته، ويعرف كيف يتصرف في مثل تلك الأحوال.
9ـــ وطلب من ابنه، وهو ينصحه ـــ أن يستعمل الحلم في أموره كلها، فإنالحلم ما كان في شيء إلا زانه. وقد قالت العرب: في العجلة الندامة: واستأنحلمك في أمورك كلها وإذا عزمت على الهوى فتوكل.
أما إذا عزم على أمر رآه صالحاً له (هوى نفسه المراد) فليعزم، وليمض ذلكالعزم.
10ـــ وترك الأب لابنه موعظة مهمة في حياته النفسية والاجتماعية فإنه نصحهبأن يوازن الأمور، وأن يراجع نفسه في ما تحدثه به من أمور: فإذا فعل ذلكفليختر الوجه المحمود، وليبتعد عن الوجه المذموم، وهذا معنى قوله لابنهجبيل:
وإذا تشاجرَ في فؤاداك مرةً
أمران فاعمد للأَعَفّ الأَجْمَلِ
فالأعف هو الأكثر عفة، والأجمل: الذي يحسن من الأمور ويفضل غيره.وهذهالمواعظ في أكثرها تأخذ من المعاني الإسلامية، أو تلتقي معها،. وفيها مواعظعامة تدخل في معنى مكارم الأخلاق. ولهذا أكد السيوطي حين أجرى ذكره فيكتبه إنه شاعر إسلامي (أي أدرك صدر الإسلام).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق