الثلاثاء، 26 مارس 2024

قصة الشيخ و المرأة الذكية و الملح

 تزوج بدوي فتاة من قبيلته ذات حسن وأدب وأخلاق ودين ومضى عام علىزواجه ، ونشبت بينه وبين أحد أبناء عمومته مشاجرة كبيرة ، فقتله ، ورحل معزوجته بعيداً عن القرية كما تقتضيه الأعراف القبلية ، وتوجه الى ديار قبيلهثانيه ، وكان صاحبنا دائم الجلوس عند الشيخ في مجلسه مثله مثل رجالالقبيلة للسمر وتدارس مختلف الأمور وفي احد الايام مر الشيخ من أمام بيتصاحبنا، وشاهد زوجته فسُحِر بجمالها ، واستولت على لبه وعقله ، وخطرت لهفكره شيطانيه ، وهي أن يبعد الزوج عن البيت ، لينفرد بالزوجة ، ويقضي منهاوطرا ً .


فعاد إلى مجلسه ، وكان عامرا ً بالرجال ومن بينهم صاحبنا، فقال : ربعي ! 

علمت أن الديرة الفلانيه فيها ربيع ما مثله ! وأريد أن أرسل إليها أربعة رجاليرودونها، ويتأكدون من الربيع فيها ، واختار أربعة من الرجال ومن بينهم زوجالمرأه الجميلة . 


فسار الأربعة بكل طيب خاطر ، والمكان الذي ذكره يستغرق ثلاث أيام ذهابالفرسان وإيابهم ، وعندما أرخى الليل سدوله وانتظر إلى أن تنام الناس ، سارإلى بيت جيرانه حيث لم يكن فيه سوى المرأه وحيده ، وكانت نائمة ، وقبل أنيصل ارتطم في العامود وأحدث صوتاً مرعبا ً لها ، أفاقت المرأه على الصوت .

صاحت : من بالبيت ؟!

الشيخ : أنا فلان شيخ العرب إللي أنتم نازلين عنده !

البدوية : حياك الله ! وماذا تريد يا شيخ العرب في مثل هذا الوقت ؟!


الشيخ أذهلني جمالك عندما رأيتك، وسلبت عقلي وقلبي مني ، وأريد قربكووصالك !

البدوية : لا مانع عندي ! بشرط ، عندي لغز، إذا حليته أكون لك كما تريد !


الشيخ : أشرطي وتشرَّطي ، وجميع شروطك مُجابة !

البدوية : حتى لا يجيف اللحم ( أي يتحول إلى جيفة ) يرشون عليه الملح ! 

فمن يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟

ولك أن تستعين بمن تريد .


فإذا جئتني بالحل صرت لك كما تريد !

الشيخ : أنصفتِ ، وسآتيك بالحل في الليلة القادمة !

ذهب الشيخ الى بيته بخفي حنين ،وأمضى ليله يفكر بحل اللغز ولم يصل إلىنتيجة ، وثاني يوم وكانوا الرجال جالسين في مجلسه .


سأل الشيخ الجالسين وبصورة مفاجأة : حتى لا يجيف اللحم يرشون عليهالملح ! من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!

وكل من رد من الحضور كان رده على قدر فهمه وعلمه ، فلم يقتنع الشيخ برأيواحد منهم ، وكان أحد الرجال المحنكين الدهاة أصحاب الفطنة والحكمةوالعلم والأدب والدين موجودا ً في المجلس ، لكنه لم يقل شيئا ، وانصرفجميع من في المجلس 

إلا هو لم ينصرف ، فقد بقي في المجلس .

فصاح الشيخ في وجهه : أنت ما جاوبت على سؤالي !


قال له الرجل : أردت أن أكلمك على إنفراد ! فأصل اللغز بيت من الشعر قالهأبو سفيان الثوري ،والبيت هو : 


يا رجال العلم يا ملح البلد 

              من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!


وإن لم يخب ظني فإنك ٌ راودت امرأة عالية المقام في الذكاء والعلم والدينوالأدب عن نفسها ، فأرادت أن تصدك ولا تفضحك ، وأن تكسبك كأخ لها ولاتخسرك وتزيد إلى أعدائها أعداء أهلها عدوا بحجمك ومقامك ، وتحفظ بعلهاإن غاب وإن حضر ، وقد قالت لك ما قالت ، وكأنها تريد أن تقول لك ولمنسمعك :


يا رجال العُرب يا ملح البلد 

              من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!


فهي تقصد : إن الرجل من القبيلة إذا فسد أصلحه شيخ القبيلة كما يصلحالملحُ اللحمفمن يصلح الشيخ إذا الشيخ فسد ؟!


وكأن هذه الإجابه أيقظت ضميره النائم ، وقلبه الهائم ، وعقله الظالم ، وأصابهالخجل الشديد من فعلته الشنعاء ، وملأه الندم على ما كان منه المكائدوالمفاسد !

وقال : أصبت كبد الحقيقة أيها المبجل ! فاستر عليَّ زلتي سترك الله في الدنياوالآخرة !


يقول الشاعر : يداوى فساد اللحم بالملح ..

فكيف نداوي الملح إن فسد الملح..


وأنا أقول: 

من يصلح الولد إذا رب البيت فسد 

من يصلح الرعية إذا الراعي فسد 

من يصلح الجيل إذا المعلم فسد 

من يصلح الناس إذا الحاكم فسد ؟؟


( جالس الحكماء ولا تجالس السفهاء فإن الحكماء عظماء )

 #عبرة #حكاية #قصص #حكايات #قصة

الأستاذ محمود شلبى بالعربي بسطنهالك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معلقة الأعشى وقصته

  وَدِّع   هُرَيرَةَ   إِنَّ   الرَكبَ   مُرتَحِلُ   وَهَل   تُطيقُ   وَداعاً   أَيُّها   الرَجُلُ غَرّاءُ   فَرعاءُ   مَصقولٌ   عَوارِضُها ...