الجمعة، 20 أكتوبر 2023

قصة الفضل بن يحي البرمكي والاعرابي من فصاحة العرب

 https://shamela.ws/book/259/1183#p1

الفضل بن يحيى والأعرابي]


ومما جاء في أخبار البرامكة ما رواه الأصمعي قال خرج الفضل للصيدوالقنصوبينما هو في موكبه إذ رأى أعرابياً على ناقة قد أقبل من صدر البريةيركض في سيرهقال: هذا يقصدني فلا يكلمه أحد غيريفلما دنا الأعرابي ورأىالمضارب تضربوالخيام تنصبوالعسكر الكثير والجم الغفيروسمع الغوغاءوالضجة ظن أنه أمير المؤمنينفنزل وعقل راحلته وتقدم إليه وقال: السلام عليكيا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاتهقال: اخفض عليك ما تقولفقال: السلامعليك أيها الأميرفقال: الآن قاربت اجلسفجلس الأعرابيفقال له الفضل: منأين أقبلت يا أخا العربقال: من قضاعةقال: من أدناها أو من أقصاهاقال: منأقصاهافقال: يا أخا العربمثلم من يقصد من ثمانمائة فرسخ إلى العراق لأيشيءقال: قصدت هؤلاء الأماجد الأنجادالذين قد اشتهر معروفهم في البلادقال: من همقال: البرامكةقال الفضل: يا أخا العرب إن البرامكة خلق كثيروفيهم جليل وخطيرولكل منهم خاصة وعامةفهل أفرزت لنفسك منهم مناخترت لنفسك وأتيته لحاجتكقال: أجل أطولهم باعاً وأسمحهم كفاًقال: منهوقال: الفضل ابن يحيى بن خالدفقال له الفضل: يا أخا العرب إن الفضلجليل القدر عظيم الخطرإذا جلس للناس مجلساً عاماً لم يحضر مجلسه


لاقال: أفعارف أنت بأيام العرب وأشعارهاقال: لاقال: وردت على الفضل بكتابوسيلةقال: لافقال: يا أخا العرب غرتك نفسكمثلك يقصد الفضل بن يحيىوهو ما عرفتك عنه من الجلالةبأي ذريعة أو وسيلة تقدم عليهقال: والله يا أميرما قصدته إلا لإحسانه المعروفوكرمه الموصوفوبيتين من الشعر قلتهما فيهفقال الفضل: يا أخا العرب أنشدني البيتين فإن كانا يصلحان أن تلقاه بهماأشرت عليك بلقائهوإن كانا لا يصلحان أن تلقاه بهما بررتك بشيء من ماليورجعت إلى ياديتك وإن كنت لم تستحق بشعرك شيئاًقال: أفتفعل أيها الأميرقال: نعمقال: إني أقول:


ألم تر أن الجود من عهد آدم ... تحدر حتى صار يمتصه الفضل


ولو أن أماً مسها جوع طفلها ... غذته باسم الفضل لاغتذا الطفل


قال: أحسنت يا أخا العربفإن قال لك: هذان البيتان قد مدحنا بهما شاعر وأخذالجائزة عليهما فأنشدني غيرهمافما تقولقال أقول:


قد كان آدم حين حان وفاته ... أوصاك وهو يجود بالحوباء


ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم ... وكفيت آدم عولة الأبناء


قال: أحسنت يا أخا العربفإن قال لك الفضل ممتحناً هذان البيتان أخذتهما منأفواه الناسفأنشدني غيرهمافما تقول وقد


ملت جهابذ فضل وزن نائله ... ومل كتابه إحصاء ما يهب


والله لولاك لم يمدح بمكرمة ... خلق ولم يرتفع مجد ولا حسب


قال: أحسنت يا أخا العربفإن قال لك الفضل هذان البيتان مسروقانأنشدنيغيرهمافما تقول: قالإذن أقول:


ولو قيل للمعروف ناد أخا العلا ... لنادى بأعلى الصوت يا فضل يا فضل


ولو أنفقت جدواك من رمل عالج ... لأصبح من جدواك قد نفد الرمل


قال: أحسنت يا أخا العرب فإن قال لك الفضل: هذان البيتان مسروقان أيضاًأنشدني غيرهما فماذا تقولقال أقول:


وما الناس إلا اثنان صب وباذل ... وإني لذاك الصب والباذل الفضل


على أن لي مثلاً إذا ذكر الورى ... وليس الفضل في سماحته مثل


قال: أحسنت يا أخا العربفإن قال لك الفضل: أنشدني غيرهما فما تقولقال:أقول أيها الأمير:


حكى الفضل عن يحيى سماحة خالد ... فقامت به التقوى وقام به العدل


وقام به المعروف شرقاً ومغرباً ... ولم يك للمعروف بعد ولا قبل


قال: أحسنتفإن قال لك: قد ضجرنا من الفاضل والمفضول أنشدني بيتين علىالكنية لا على الاسم فما تقولقال: إذن أقول:


ألا يا أبا العباس يا واحد الورى ... ويا ملكاً خد الملوك له نعل


إليك تسير الناس شرقاً ومغرباً ... فرادى وأزواجاً كأنهم نحل


قال: أحسنت يا أخا العربفإن قال لك الفضل: أنشدنا غير الاسم والكنيةوالقافيةقال: والله لئن زادني الفضل وامتحنني بعدها لأقولن أربعة أبيات ماسبقني إليهن عربي ولا أعجميولئن زادني بعدها لأجمعن قوائم ناقتي هذهوأجعلها في فم الفضلولأرجعن إلى قضاعة خاسراً ولا أباليفنكس الفضلرأسه وقال للأعرابي: يا أخا العرب أسمعني الأبيات الأربعةقال أقول:


ولائمة لامتك يا فضل في الندى ... فقلت لها هل يقدح اللوم في البحر


اتنهين فضلاً عن عطاياه للورى ... فمن ذا الذي ينهى السحاب عن القطر


كأن نوال الفضل في كل بلدة ... تحدر ماء المزن في مهمه قفر


كأن وقود الناس ف كل وجهة ... إلى الفضل لاقوا عنده ليلة القدر


قال: فأمسك الفضل عن فيه وسقط على وجهه ضاحكاًثم رفع رأسه وقال: يا أخاالعرب أنا والله الفضل بن يحيىسل ما شئتفقال: سألتك بالله أيها الأمير إنكلهوقال: نعمقال له: فأقلنيقال: أقالك الله اذكر حاجتكقال عشرة آلاف درهمقال الفضل: ازدريت بنا وبنفسك يا أخا العربتعطى عشرة آلاف درهم في عشرةآلاف وأمر بدفع المالفلما صار المال إليه حسده وزير الفضل وقال: يا مولاي هذاإسرافيأتيك جلف من أجلاف العرب بأبيات استرقها من أشعار العرب فتجزيهبهذا المال.


في كبد قوسك وأومأت به إلى الأعرابيفإن رد عن نفسه ببيت من الشعر وإلافاستعطف مالك ويكون له في بعضه كفايةفأخذ الفضل سهماً وركبه في كبدقوسه وأومأ إلى الأعرابي وقال له: رد سهمي ببيت من الشعر فأشأ يقول:


لقوسك قوس الجود والوتر الندى ... وسهمك سهم العز فارم به قفري


قال فضحك الفضل وأنشأ يقول:


إذا ملكت كفي منالاً ولم أنل ... فلا انبسطت كفي ولا نهضت رجلي


على الله إخلاف الذي قد بذلته ... فلا مبق لي بخلي ولا متلفي بذلي


أروني بخيلاً نال مجداً ببخله ... وهاتوا كريماً مات من كثرة البذل


ثم قال الفضل لوزيره أعط الأعرابي مائة ألف درهم لقصده وشعره ومائة ألفدرهم ليكفينا شر قوائم ناقتهفأخذ الأعرابي المال وانصرفوهو يبكي فقال لهالفضل: مم بكاؤك يا أعرابيأإستقلالاً للمال الذي أعطيناكقال: لا ولكني أبكيعلى مثلك يأكله التراب وتواريه الأرضوتذكرت قول محمد بن حمير الهمداني


لعمرك ما الرزية فقد مال ... ولا فرس يموت ولا بعير


ولكن الرزية فقد حر ... يموت لموته خلق كثير


ثم انصرف الأعرابي مسروراً (أعلام الناس للاتليدي)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قصيدة صالح بن عبد القدوس في النصح

 #كل بيت في هذه القصيدة يعادل كتابا..  هي إحدى القصائد الخالدة للشاعر #صالح بن عبدالقدوس احد شعراء الدولة العباسية ..  تمعّنوا بكلماتها ومعا...