ما بين الأمثال السائرة بين الناس، وما بين تباين وجهات النظر حول موضوع الأخلاق هل هي طبيعة وسجيّة جُبل عليها المرء، أم هي مهارة واكتساب؟
والحقيقة أن الأخلاق وطبيعة نمط تصرف الإنسان منها ما هو سجيّة وطبع، ومنها ما هو مكتسب، وكلّما كانت الأخلاق والصفات طبعاً، صعُبَ زوالها وتغييرها، لذلك قالوا إن زوال جبلٍ من مكانهِ أيسرُ من زوالِ رجل عن طبعهِ.. كما قالوا يبقى الذئبُ ذئباً ولو لم يأكل غنمكَ، وقد ضُربت الكثير من الأمثال العربية، فيمن طُبع على نكران الجميل وإن أُحسنَ إليه، وفُضّل على غيره، ومن أشهر هذه الأمثال وأبلغها وأعمقها تأثيراً المثل المشهور «إذا كان الطباعُ طباعَ سوء... فلا أدب يفيد ولا أديبُ».
وحكاية هذا المثل ما رواه الشاعر الأصمعي، وذلك أن امرأة أعرابية كانت ترعى شاةً، تقتات على لبنها، وقد وجدت ذئباً حديث الولادة فعطفت عليه، وأخذته معها إلى بيتها، وجعلته يتغذى على لبن تلك الشاة، ومع مرور الأيام كَبُر الذئب، وعادت الأعرابية إلى بيتها في أحد الأيام فوجدتْ الذئبَ في غيابها قد هاجمَ الشاة وأكلها قبل عودتها، فحزنت وبحرقة ولوعة عصفت بفؤادها أنشدت قائلة:
بَقرتَ شُويْهَتي وفَجعتَ قلبي
وأنتَ لِشاتِنا ولدٌ رَبيبُ
غُذيت بدُرها وربيت فينا
فَمنْ أنباكَ أنّ أباكَ ذيبُ
إذا كان الطباعُ طباعَ سوءٍ
فلا أدبٌ يفيدُ ولا أديبُ
فجرى قول الأعرابية هذا مثلاً، يُضرب لكلّ حادثةٍ مشابهة في نكران الجميل، بسبب الطباع اللئيمة، ولذلك قالوا أنّ الطبعَ غلّابٌ، وأنّ الثعبان وإن غيّر جلده يبقى ثعباناً.
وقال الشاعر:
وكلّ يرى طرق الشّجاعة والنّدى
ولكنّ طبع النفسِ للنفسِ قائد
فالإنسان وإن ولد بأخلاق وصفات معيّنة، يكون قد ورثها من أبويه، إلا أنه قادر على تغييرها واكتساب أخلاق أخرى، ما يجعله يرتقي للأفضل إن شاء ذلك، وهذا مصداق لقوله تعالى: «إنّ اللهَ لا يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيّروا مَا بِأنْفُسِهِمْ» (الرعد: 11).
https://www.alqabas.com/article/5833902 :إقرأ المزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق