وأزعم أن قصائد الموشحات الأندلسية بدأت من حيث انتهى بشار بن برد، شكلاً وغرضاً وتبسيطاً، وهذا كلام يطول. ولكن ما يهمنا هنا، هو كيف لرجل عاش حياته حتى آخر لحظة ضد الأعراف، أن يدعو في الوقت ذاته إلى تماسك المجتمع بالقيم؟!
ومهما يكن فإن من أجمل ما قرأت من شعر في الهداية وإسداء النصح، ما قاله بشار في قصيدته التي يقول مطلعها: «جَفا وِدُّهُ فَازوَرَّ أَو مَلَّ صاحِبُه، وَأَزرى بِهِ أَن لا يَزال يُعاتِبُه»، حيث عالج الشاعر قيمة التسامح وخطل المؤاخذة الدائمة، بأسلوب شائق وسبك حسن، دفاعاً عن نسيج العلاقات الاجتماعية، سواء بين الأقارب أو الأصدقاء، حيث يدل قوله الحكيم على أنه لا جدوى من العتاب والتبرّم من تصرفات زميلك أو قريبك، لأن كل الناس خطّاء، وما منا من أحد إلا وبه علة يمكن أن يؤاخذ عليها، فإن شاء الناس نبذوه بها أو إن شاؤوا قبلوه، ما قبولهم إياه حينئذ إلا لكي تستمر الحياة دون تعكير صفو، وتسقّط زلات:
أَخوكَ الَّذي إِن رِبتَهُ قالَ إِنَّما
أَرَبتُ وَإِن عاتَبتَهُ لانَ جانِبُه
إذا كُنتَ في كُلِّ الذُنوبِ مُعاتِباً
صَديقَكَ لَم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه
فَعِش واحِداً أَو صِل أَخاكَ فَإِنَّهُ
مُفارِقُ ذَنبٍ مَرَّةً وَمُجانِبُه
إِذا أَنتَ لَم تَشرَب مِراراً عَلى القَذى
ظَمِئتَ وَأَيُّ الناسِ تَصفو مَشارِبُه؟!.
على أية، سارت الركبان بقوله «إذا كنت في كل الذنوب معاتباً صديقك، لم تلقَ الذي لا تعاتبه» لأنه بالفعل يلخص الفكرة الشاملة، ومفادها أنه لا أحد يسلم من العيب والخطأ، وبالتالي فلابد من غض الطرف والتماس العذر لمن يخطئ، خاصة من تحتاج لأن تتعامل معه باستمرار ولا غنى لك عنه، كما ينبغي ألا تبين له أنك تتفضل عليه بتلك المسامحة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق