الثلاثاء، 1 يونيو 2021

صفعة معاوية ودهاء الأحنف

 

صفعة معاوية ودهاء الأحنف

عندما جمع معاوية بن أبى سفيان أنصاره من أجل أخذ البيعة لابنه يزيد، أيده الجميع وكان أشدهم تأييدا ابن المقفع العذرى الذى أشار بسيفه إلى معاوية وقال: هذا هو الخليفة فإن هلك فهذا، وأشار إلى يزيد، ومن أبى فهذا. وأشار إلى سيفه. فقال له معاوية: اجلس فأنت سيد الخطباء. ثم التفت إلى الأحنف بن قيس سيد بنى تميم قائلا: ماتقول ياأبا بحر، فقال الأحنف: نخافكم إن صدقنا ونخاف الله إن كذبنا، وأنت ياأمير المؤمنين أعلم بيزيد فى ليله ونهاره وسره وعلانيته، فإن كنت تعلمه للأمة خيرا فلا تشاور فيه، وإن كنت غير ذلك فلا تزوده الدنيا، وأنت صائر إلى الأخرة. وتفرق الناس لايذكرون من الاجتماع إلا قول الأحنف. وقد أضمر معاوية هذه الواقعة فى نفسه، وأراد أن ينتقم من الأحنف، سلط عليه رجلا أبله، وجعل له مكافأة إن صفع سيد بنى تميم، فتضيع مكانته فى قومه إذا تمسك بالحلم ورضى بالصفعة، وإذا ثار وغضب يقولون ضاع حلمه ودهاؤه أمام مجنون!

وبالفعل تقدم الرجل المجنون ولطم الأحنف بن قيس أمام قومه. فرد الأحنف بهدوء: لم لطمتنى؟ قال الرجل: جعل لى جعلا (مكافأة) أن ألطم سيد بنى تميم، فقال الأحنف بدهاء شديد: ما صنعت شيئا، عليك بحارثة بن قدامة فإنه سيد بنى تميم، فانطلق ولطمه، فقطع ابن قدامة يده فورا.

وهذا ما أراده الأحنف. وهكذا رد اللطمة بأشد منها بهدوء وذكاء شديد.

وفى السياسة عليك أن تنتبه دائما إلى صفعات معاوية التى يحملها كبار المجانين، عندما تختلف المواقف والآراء السياسية!

والأحنف الذى ولد بحنف فى قدمه (عوج) كان يمشى على ظهر قدميه سماه عمر بن الخطاب سيد أهل البصرة، واستمع إلى رأيه فى غزو فارس رغم حداثة سنه وعندما لمس شجاعته جعله على قيادة الجيش الذى فتح خرسان. وكان دهاء الأحنف متسقا مع مواقفه ففى موقعة الجمل كان قد بايع عليا بالمدينة أثناء خروجه للحج. يروى الطبرى فى تاريخه أن الأحنف لم يبايع عليا حتى قابل طلحة والزبير والسيدة عائشة بالمدينة، وقال لهم: إن الرجل مقتول يعنى عثمان بن عفان، فمن تأمرونى أن أبايع، فكلهم قال: بايع عليا. فقلت: أترضونه لى. فقالوا: نعم فبايع عليا بعد مقتل عثمان وعاد لأهله فى العراق، لكنه فوجئ بالسيدة عائشة والزبير بن العوام وطلحة بن عبيدالله رضى الله عنهم يرسلون إليه يريدونه معهم فى الصراع ضد على بن أبى طالب. فقال إن خذلانى أم المؤمنين وحوارى رسول الله لشديد، وإن قتال ابن عم رسول الله، وقد أمرونى ببيعته أشد. ثم ذهب إليهم وقال لهم: ياأم المؤمنين ويازبير وياطلحة، أنشدكم الله، أقلت لكم من تأمرونى أبايع، فقلتم: بايع عليا، فقالوا نعم لكنه بدل وغير. فقال لهم لا أقاتلكم ومعكم أم المؤمنين ولا أقاتل ابن عم رسول الله وقد أمرتونى ببيعته، ولكنى اعتزل، فأذنوا له فى ذلك ومعه 10 آلاف مقاتل. بعد ذلك شارك الأحنف فى معركة صفين ضد معاوية، وبعد مقتل الأمام على أصبح معاوية خليفة وقال للأحنف: أنت الشاهر سيفك علينا يوم صفين، والمخزل عن أم المؤمنين يوم الجمل. فقال له الأحنف: والله يامعاوية ان القلوب التى أبغضناك بها لفى صدورنا، وان السيوف التى قاتلناك بها لفى أغمادها، وإن تمشى إلى الحرب نهرول إليها. ولأن معاوية كان داهية أيضا طبقا لمقولته الشهيرة : لانحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا. فلم يغضب ضد الأحنف وقال لأخته التى سمعت الحوار من وراء حجاب: هذا الذى إذا غضب، غضبت له مائه ألف من بنى تميم لايدرون فيما غضب، وقيل للأحنف بما سدت قومك؟ قال: لو عاب الناس الماء لم أشربه. ومات الأحنف وعمره 75 عاما فى إمارة مصعب بن الزبير الذى صار فى جنازته بغير رداء، حزنا على هذا الداهية الكبير الذى رد صفعة معاوية بقطع يد صاحبها قبل أن يقوم من مكانه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معلقة الأعشى وقصته

  وَدِّع   هُرَيرَةَ   إِنَّ   الرَكبَ   مُرتَحِلُ   وَهَل   تُطيقُ   وَداعاً   أَيُّها   الرَجُلُ غَرّاءُ   فَرعاءُ   مَصقولٌ   عَوارِضُها ...