هذه القصة شيقة حدثت لشاعرة الدقيس الصلبية وبتأكيد ان اغلب الناس قدسمع بالقصة ولكن فيه بيت شهير ومضرب للمثل وهو:
يالله عسى ماتكرة النفس خيرة .... يا والي الدنيا عليك التدابير
هذا البيت من الشعر مليء بالحكمة وغاية في الجودة والإتقان وعمق المعنى , اقُتبست معانيه من القرآن الكريم من قوله تعالى ( وعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيئاً وَهُوَخَيرٌ لَّكُم ) , وهذا البيت صار مثلاً يردد بين الناس وقد لايعرف الكثيرين منهمأن قائل هذا البيت هي الشاعرة الدقيس الصلبية التي يتناقل الرواة قصةعشقها لإحد أبناء أمراء القبائل والتي حال العرف الإجتماعي دون الزواج بهاواجتماعهم .
والشاعرة الدقيس عاشت في شمال الجزيرة العربية ولا يعرف عنها الكثير ولاعصرها الذي عاشت فيه , إلا إن بعض الباحثين إستنتج ولم يجزم بإنها عاشتفي القرن التاسع وذلك بناء على قصيدة لها ذكرت فيها الشيخ مانع بن صويطشيخ قبيلة الظفير والتي حضر مناخ الضلفعة بين عنزة و الظفير عام 854هـ , وهذا الإستنتاج مستبعد لإسباب سوف يأتي ذكرها , ومانع المقصود بالقصيدةربما يكون شخص آخرغير ه . وهناك من الرواة من ذكر قصيدة الدقيسوأحداث قصتها وذكرها بإسم (ربداء) و إنها وقعت في آواخر القرن الثاني عشروبداية القرن الثالث عشر . ولإن الشاعرة ذكرت مطلق الجربا في قصيدتها وهوممن عاشوا في القرن الثالث عشر وكذلك ذكرت "التفق" وهي الأسلحة الناريهالتي لم تكن معروفة في عصر مانع في عام 854هـ , وهذا ما يجعل الرأي الأخيرهو الأرجح .والشاعرة الدقيس لم يذكر لها سوى قصيدتين , وقد اختلف الرواةفي كلمات الأبيات وترتيبها , ولدي شك بإن بعض أبيات القصيدتين نسبت لها , أما بيت الشعر أعلاه فهو من ضمن قصيدة وجدانية تقطر ألمٍ وحسرة تعاتبوتمدح فيها الشيخ مانع بن سويط من مشايخ الظفير . أما قصتها فهيمأساوية و بالغة التأثير, ويروى أن الدقيس كانت فتاة جميلة وقد تعلق قلبهابإحد إخوة الشيخ مانع , وأحبته وأحبها وتعلق كل منهما بالآخر , إلا أن العاداتوالتقاليد تقف بينهما ففي أعرافهم هي لا تناسبه وهو لايناسبها , ولم عرفالشيخ مانع بـ قصة أخية وعشقه للدقيس وهي الفتاة الصلبية وهو أميرالقبيلة , فخاف من ذيوع الخبر وأراد أن يضع حداً لهذه القصة , فأمرهابالرحيل مرغمةٍ مع أهلها من أرض القبيلة وهددهم بالقتل فأضطروا للرحيل , وقبل أن ترحل قالت
هذه القصيدة :
يالله عسى ما تكره النفـس خيـره
يا والـي الدنيـا عليـك التدابيـر
اللي فرق بيـن العشيـر وعشيـره
هو له و أنا ليّـه ولِـيّ المقاديـر
وراك يـا مانـع تبتـن بجـيـره
زودٍ على هرج العرب والمعاييـر
أنـا صليبة ولا لـي نحـيـره
وانتم نحايركـم رقـاب المناعيـر
حنـا صليـب ولا علينـا معيـره
عاداتنا ننـزل خـلاف الدواويـر
ابكي عشيري كـل ماقلـت خيـره
وأنـا وخلـي فرقتنـا المقـاديـر
أنـا بديـره و الحبيـب بـديـره
ورجّالكم ما يمرح الليل يـا ميـر
ماأنساه لين السيف ينسـى جفيـرة
أو مطلق الجربا يكـب الخطاطيـر
مانع ليا ركـب الجـواد الظهيـرة
ماله شبيه يعلـم الله حـذا الزيـر
زير العراق اللي ربـا بالجزيـرة
شيـخٍ كبيـر و وافـي بالتشابيـر
يطعن لعيني فاطـر لـه ظهيـرة
غبوق الخطـار برصـا مواخيـر
شرابة المـا كـان غثبـر حفيـره
مناكبه تنحى الضوامي عـن البيـر
خيـال شقـح مـا يـردد نشيـره
وإن جن على روس النوازي دعاثير
ليا سمعت الصايح تقـاود بريـره
تجعل على البيت المطرف معاصير
زبن الحصان اللي قطاتـه كبيـره
تعاورنـه مصعـدات المعـاويـر
والله لابـدل دارهـم لـي بديـره
واتبـع مـزونٍ مقفيـات محاديـر
وعندها رحلت الدقيس مع أهلها , وبعد أن ابتعدت عن أرض
الحبيب أخذت رغم المعاناة ترتقي الهضاب لعلها ترى منازل المحبوب
أو حتى تشم نسيم الهواء القادم من أرضهم وطال جلوسها
حتى أفتقدتها أمها , ولما وجدتها سمعتها تنشد قائلة :
عند الضحي عديت في راس عنقـور
أشرف علـى راع العلـوم الدقاقـه
يا ونتي ياما بصدري مـن الجـور
وانت ضعيـفٍ ضاهدينـه رفاقـه
يايوه شفي واحدن من هـل الهـور
هو عشقتـي مـن ناقليـن التفاقـه
وده سمر قلبي وراء مشـة الـزور
سمر الحديـد اللـي إجـواد احلاقـه
لعب بقلبي لعبة الغوش بالكور
واومي بي اوماي العصا بالعلاقه
غديت أنا لا احدي ولا ابدي ولا اثور
ثنـان تثنـات الخلـوج الوسـاقـه
عوق الظليم إيلا تحدر مـع الخور
دم القرى ينقط علـى عظـم ساقـه
غديت له عوقٍ وهو صار لي ثابور
والكل منـا صـار شوفـه إشفاقـه
وعندما سمعتها أمها رقت لمأسات أبنتها فعذلتها بقولها :
برقٍ مصدٍ عنك لو كان به نـور
بالك تخيله لـو ربيعـه شفاقـه
ترى الرجال ابهم تمازيح وغرور
ومن قبل عرفه لا يجيلك عشاقه
فردت الدقيس على أمها قائلة :
حاذور يالاجواد حاذور حاذور
نصيحةِ تشرى على حد فاقه
من لا يشيرك لا تباديه بالشور
ومن لا يودك سعد عينك افراقه
وهكذا صارت بعض أبيات قصائد الدقيس أمثالاً (على اختلاف روياتها) , وحفظت لنا قصة الدقيس وخلدت ذكرها ,
ولولاها لأصبحت القصة وصاحبتها طي النسيان .
اتمنى ان تنال على اعجابكم
تقبلوا تحياتي وتقديري