الاثنين، 6 يناير 2025

معلقة الأعشى وقصته

 


وَدِّع هُرَيرَةَ إِنَّ الرَكبَ مُرتَحِلُ 

وَهَل تُطيقُ وَداعاً أَيُّها الرَجُلُ

غَرّاءُ فَرعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها 

تَمشي الهُوَينا كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ

كَأَنَّ مِشيَتَها مِن بَيتِ جارَتِها 

مَرُّ السَحابَةِ لا رَيثٌ وَلا عَجَلُ

تَسمَعُ لِلحَليِ وَسواساً إِذا اِنصَرَفَت 

كَما اِستَعانَ بِريحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ

لَيسَت كَمَن يَكرَهُ الجيرانُ طَلعَتَها 

وَلا تَراها لِسِرِّ الجارِ تَختَتِلُ

يَكادُ يَصرَعُها لَولا تَشَدُّدُها 

إِذا تَقومُ إِلى جاراتِها الكَسَلُ

إِذا تُعالِجُ قِرناً ساعَةً فَتَرَت 

وَاِهتَزَّ مِنها ذَنوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ

مِلءُ الوِشاحِ وَصِفرُ الدَرعِ بَهكَنَةٌ

إِذا تَأَتّى يَكادُ الخَصرُ يَنخَزِلُ

صَدَّت هُرَيرَةُ عَنّا ما تُكَلِّمُنا 

جَهلاً بِأُمِّ خُلَيدٍ حَبلَ مَن تَصِلُ

أَأَن رَأَت رَجُلاً أَعشى أَضَرَّ بِهِ 

رَيبُ المَنونِ وَدَهرٌ مُفنِدٌ خَبِلُ

نِعمَ الضَجيعُ غَداةَ الدَجنِ يَصرَعَها

لِلَّذَةِ المَرءِ لا جافٍ وَلا تَفِلُ

هِركَولَةٌ فُنُقٌ دُرمٌ مَرافِقُها 

كَأَنَّ أَخمَصَها بِالشَوكِ مُنتَعِلُ

إِذا تَقومُ يَضوعُ المِسكُ أَصوِرَةً 

وَالزَنبَقُ الوَردُ مِن أَردانِها شَمِلُ

ما رَوضَةٌ مِن رِياضِ الحَزنِ مُعشَبَةٌ 

خَضراءُ جادَ عَلَيها مُسبِلٌ هَطِلُ

يُضاحِكُ الشَمسَ مِنها كَوكَبٌ شَرِقٌ 

مُؤَزَّرٌ بِعَميمِ النَبتِ مُكتَهِلُ

يَوماً بِأَطيَبَ مِنها نَشرَ رائِحَةٍ 

وَلا بِأَحسَنَ مِنها إِذ دَنا الأُصُلُ

عُلَّقتُها عَرَضاً وَعُلَّقَت رَجُلاً 

غَيري وَعُلَّقَ أُخرى غَيرَها الرَجُلُ

وَعَلَّقَتهُ فَتاةٌ ما يُحاوِلُها 

مِن أَهلِها مَيِّتٌ يَهذي بِها وَهِلُ

وَعُلِّقَتني أُخَيرى ما تُلائِمُني 

فَاِجتَمَعَ الحُبَّ حُبّاً كُلُّهُ تَبِلُ

فَكُلُّنا مُغرَمٌ يَهذي بِصاحِبِهِ 

ناءٍ وَدانٍ وَمَحبولٌ وَمُحتَبِلُ

قالَت هُرَيرَةُ لَمّا جِئتُ زائِرَها 

وَيلي عَلَيكَ وَوَيلي مِنكَ يا رَجُلُ

يا مَن يَرى عارِضاً قَد بِتُّ أَرقُبُهُ 

كَأَنَّما البَرقُ في حافاتِهِ الشُعَلُ

لَهُ رِدافٌ وَجَوزٌ مُفأَمٌ عَمِلٌ 

مُنَطَّقٌ بِسِجالِ الماءِ مُتَّصِلُ

لَم يُلهِني اللَهوُ عَنهُ حينَ أَرقُبُهُ 

وَلا اللَذاذَةُ مِن كَأسٍ وَلا الكَسَلُ

فَقُلتُ لِلشَربِ في دُرنى وَقَد ثَمِلوا 

شيموا وَكَيفَ يَشيمُ الشارِبُ الثَمِلُ

بَرقاً يُضيءُ عَلى أَجزاعِ مَسقِطِهِ 

وَبِالخَبِيَّةِ مِنهُ عارِضٌ هَطِلُ

قالوا نِمارٌ فَبَطنُ الخالِ جادَهُما 

فَالعَسجَدِيَّةُ فَالأَبلاءُ فَالرِجَلُ

فَالسَفحُ يَجري فَخِنزيرٌ فَبُرقَتُهُ 

حَتّى تَدافَعَ مِنهُ الرَبوُ فَالجَبَلُ

حَتّى تَحَمَّلَ مِنهُ الماءَ تَكلِفَةً 

رَوضُ القَطا فَكَثيبُ الغَينَةِ السَهِلُ

يَسقي دِياراً لَها قَد أَصبَحَت عُزُباً 

زوراً تَجانَفَ عَنها القَودُ وَالرَسَلُ

وَبَلدَةً مِثلِ ظَهرِ التُرسِ موحِشَةٍ 

لِلجِنِّ بِاللَيلِ في حافاتِها زَجَلُ

لا يَتَنَمّى لَها بِالقَيظِ يَركَبُها 

إِلّا الَّذينَ لَهُم فيما أَتَوا مَهَلُ

جاوَزتُها بِطَليحٍ جَسرَةٍ سُرُحٍ 

في مِرفَقَيها إِذا اِستَعرَضتَها فَتَلُ

إِمّا تَرَينا حُفاةً لا نِعالَ لَنا 

إِنّا كَذَلِكَ ما نَحفى وَنَنتَعِلُ

فَقَد أُخالِسُ رَبَّ البَيتِ غَفلَتَهُ 

وَقَد يُحاذِرُ مِنّي ثُمَّ ما يَئلُ

وَقَد أَقودُ الصَبى يَوماً فَيَتبَعُني 

وَقَد يُصاحِبُني ذو الشِرَّةِ الغَزِلُ

وَقَد غَدَوتُ إِلى الحانوتِ يَتبَعُني 

شاوٍ مِشَلٌّ شَلولٌ شُلشُلٌ شَوِلُ

في فِتيَةٍ كَسُيوفِ الهِندِ قَد عَلِموا 

أَن لَيسَ يَدفَعُ عَن ذي الحيلَةِ الحِيَلُ

نازَعتُهُم قُضُبَ الرَيحانِ مُتَّكِئاً 

وَقَهوَةً مُزَّةٌ راوُوقُها خَضِلُ

لا يَستَفيقونَ مِنها وَهيَ راهَنَةٌ 

إِلّا بِهاتِ وَإِن عَلَّوا وَإِن نَهِلوا

يَسعى بِها ذو زُجاجاتٍ لَهُ نُطَفٌ

مُقَلِّصٌ أَسفَلَ السِربالِ مُعتَمِلُ

وَمُستَجيبٍ تَخالُ الصَنجَ يَسمَعُهُ 

إِذا تُرَجِّعُ فيهِ القَينَةُ الفُضُلُ

مِن كُلِّ ذَلِكَ يَومٌ قَد لَهَوتُ بِهِ 

وَفي التَجارِبِ طولُ اللَهوِ وَالغَزَلُ

وَالساحِباتُ ذُيولَ الخَزِّ آوِنَةً 

وَالرافِلاتُ عَلى أَعجازِها العِجَلُ

أَبلِغ يَزيدَ بَني شَيبانَ مَألُكَةً

أَبا ثُبيتٍ أَما تَنفَكُّ تَأتَكِلُ

أَلَستَ مُنتَهِياً عَن نَحتِ أَثلَتِنا 

وَلَستَ ضائِرَها ما أَطَّتِ الإِبِلُ

تُغري بِنا رَهطَ مَسعودٍ وَإِخوَتِهِ 

عِندَ اللِقاءِ فَتُردي ثُمَّ تَعتَزِلُ

لَأَعرِفَنَّكَ إِن جَدَّ النَفيرُ بِنا 

وَشُبَّتِ الحَربُ بِالطُوّافِ وَاِحتَمَلوا

كَناطِحٍ صَخرَةً يَوماً لِيَفلِقَها 

فَلَم يَضِرها وَأَوهى قَرنَهُ الوَعِلُ

لَأَعرِفَنَّكَ إِن جَدَّت عَداوَتُنا 

وَاِلتُمِسَ النَصرُ مِنكُم عوضُ تُحتَمَلُ

تُلزِمُ أَرماحَ ذي الجَدَّينِ سَورَتَنا 

عِندَ اللِقاءِ فَتُرديهِم وَتَعتَزِلُ

لا تَقعُدَنَّ وَقَد أَكَّلتَها حَطَباً 

تَعوذُ مِن شَرِّها يَوماً وَتَبتَهِلُ

قَد كانَ في أَهلِ كَهفٍ إِن هُمُ قَعَدوا 

وَالجاشِرِيَّةِ مَن يَسعى وَيَنتَضِلُ

سائِل بَني أَسَدٍ عَنّا فَقَد عَلِموا 

أَن سَوفَ يَأتيكَ مِن أَنبائِنا شَكَلُ

وَاِسأَل قُشَيراً وَعَبدَ اللَهِ كُلُّهُمُ 

وَاِسأَل رَبيعَةَ عَنّا كَيفَ نَفتَعِلُ

إِنّا نُقاتِلُهُم ثُمَّتَ نَقتُلُهُم 

عِندَ اللِقاءِ وَهُم جاروا وَهُم جَهِلوا

كَلّا زَعَمتُم بِأَنّا لا نُقاتِلُكُم 

إِنّا لِأَمثالِكُم يا قَومَنا قُتُلُ

حَتّى يَظَلَّ عَميدُ القَومِ مُتَّكِئاً 

يَدفَعُ بِالراحِ عَنهُ نِسوَةٌ عُجُلُ

أَصابَهُ هِندُوانِيٌّ فَأَقصَدَهُ 

أَو ذابِلٌ مِن رِماحِ الخَطِّ مُعتَدِلُ

قَد نَطعَنُ العيرَ في مَكنونِ فائِلِهِ 

وَقَد يَشيطُ عَلى أَرماحِنا البَطَلُ

هَل تَنتَهونَ وَلا يَنهى ذَوي شَطَطٍ 

كَالطَعنِ يَذهَبُ فيهِ الزَيتُ وَالفُتُلُ

إِنّي لَعَمرُ الَّذي خَطَّت مَناسِمُها 

لَهُ وَسيقَ إِلَيهِ الباقِرُ الغُيُلُ

لَئِن قَتَلتُم عَميداً لَم يَكُن صَدَداً 

لَنَقتُلَن مِثلَهُ مِنكُم فَنَمتَثِلُ

لَئِن مُنيتَ بِنا عَن غِبِّ مَعرَكَةٍ 

لَم تُلفِنا مِن دِماءِ القَومِ نَنتَفِلُ

نَحنُ الفَوارِسُ يَومَ الحِنوِ ضاحِيَةً 

جَنبي فُطَيمَةَ لا ميلٌ وَلا عُزُلُ

قالوا الرُكوبَ فَقُلنا تِلكَ عادَتُنا 

أَو تَنزِلونَ فَإِنّا مَعشَرٌ نُزُلُ





روي أن الأعشى كان مسافرا إلى اليمن و في الطريق أظلم عليه الليل وأمطرت السماء مطراً غزيراً ، 

فأراد مكانا يلوذ به عن المطر فرأى من بعيد "خباء" وهو بيت من بيوت الأعراب قديما، وحينما وصل إليه ليختبأ وجد عنده شيخا كبيرا مشوه الخلقة بلحية بيضاء كثيفة، فأدخله الشيخ الخيمة و قال له : 

إلى أين تقصد ؟، فقال : أنا الأعشى وأقصد اليمن، فقال الشيخ: هل تجيد الشِعر؟، فقال الأعشى: نعم 

فخاطبه الشيخ قائلا: أسمِعني من شِعرك !!

-قال الأعشى : 

رحلت ( سُمية ) غدوة أجمالها 

                    غَـضبـىَ عليك فما تقول بـدا لــها

-فقال له الشيخ: من هي سُمية ؟ فرد الأعشى: لا أعلم!

...فطلب منه الشيخ قصيدة أخرى !!

-فقال الأعشى قصيدته الشهيرة : 

ودِع ( هريرة ) إن الركـب مرتحل 

                    وهل تطـيـق وداعاً أيـها الرجـل

...عندها إستوقفه الشيخ قائلا : و من هي هريرة ؟

فقال الأعشى : لا أعلم من هي سُمية و لا أعرف من هي هريرة، ولكنها أسماء إنطلقت في روعي فقلتها!!

.....فنادى الرجل الكبير : أخرجي يا سُمية و يا هريرة !!، فخرجتا فتاتين طولهما لايتعدى خمسة أشبار، فإرتعد الأعشى خوفاً و خاطب الشيخ قائلا: من أنت ؟، فرد الشيخ: أنا هاجسك من الجنّ ومُلقي الشعر على لسانك، وهؤلاء بناتي هريرة و سُمية!!!.

#توضيح: قصيدة الأعشى ( ودع هريرة) هي واحدة من قصائد المعلقات السبع التي كتبت بماء الذهب و التي قيل أن كلماتها من عالم الجن.

منقول


#منقول #من #من




قصص من الخيال الغول و العنقاء

 

الغول والعنقاء والخل الوفي


3 دقائقللقراءة

قالت العرب قديماً إن المستحيلات ثلاث هي: الغول والعنقاء والخل الوفي.. نظرة متشائمة في حضارة احتفت كثيراً بالصاحب والصحبة.. كتب أعلام كبار كالسلمي والغزالي والتوحيدي في آداب الصاحب والصحبة.

السؤال: ماذا ستكون الحياة دون أصدقاء يثق بهم المرء ويخصهم بأسراره الصغيرة ويطلعهم على حياته الخفية ويجالسهم في أوقات المسرات والأحزان؟ كيف هي الحياة بلا صديق؟ وهل هناك بهذا الزمان صديق حقيقي؟

كان الفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو يقول إن الصداقة هي المدخل للحياة السعيدة ودونها لا معنى للفضيلة ولا العدالة، بل إن المدينة الفاضلة لا تنال إلا بالصداقة، والسياسة ليست سوى القدرة على تحويل البشر العاديين إلى أصدقاء.

ومع ذلك تنتشر الكتابات والأمثال والقصص حول الصداقة المغدورة وحول أوهام الصداقة الزائفة.. كل واحد منا عاش تلك التجربة المريرة التي هي خيانة الصديق القريب.. عندما تحدث تلك الخيانة التي تجعل الإنسان يفقد ثقته بالبشر! فلا يرى فيهم إلا ما كان يقوله الفيلسوف هوبز من كون الإنسان ذئباً للإنسان.

الحل الذي اقترحه هوبز وأخذه الفكر السياسي الحديث برمته هو استبدال الصداقة بالقانون.. فلم تعد علاقات الناس تبنى على الثقة والوفاء، بل على الالتزامات المقننة التي تكفل الحقوق وتصونها من الجور والظلم في زمن غلب فيه الجور على الوفاء.

المدينة الحديثة نفسها في شكلها العمراني لا مكان فيها للصداقة، يتعايش فيها الناس عن بعد، لا يلتقون إلا لمصلحة عابرة، يقيمون في عمارة مشتركة دون ألفة أو ود.

الرواية الحديثة في الغرب، خصوصاً رواية القرن التاسع عشر والقرن العشرين، تصف لنا هذا العالم القلق الذي لا صداقة فيه، حيث يسود الخوف وتستلب العلاقات البشرية.. وتكفي الإشارة هنا إلى رواية جان بول سارتر «الغثيان» وإلى قوله في إحدى مسرحياته «جهنم هي الآخرون».

هل تحول الأمر مع العصر الرقمي وموضة مواقع التواصل الاجتماعي؟


ما أكثر الأصدقاء في العالم الافتراضي اليوم! لكل منا آلاف الأصدقاء، لا نعرف غالبيتهم المطلقة، وإن كنا نجاورهم إلكترونياً ونعيش معهم غالب وقتنا، ونتبادل معهم المشاعر والأحاسيس ونتقاسم معهم الأفراح والأتراح.

لكن هل هي صداقة حقيقية؟

أليست هي تعويضاً عن الصداقة الحقيقية، وتعبيراً عن الحاجة القصوى إليها في عالم يشهد أقسى أنواع الانفصام والعزلة والتفرد؟

قرأنا لكثير من علماء الاجتماع والنفس عن هذه الظاهرة الجديدة، اعتبرها بعضهم ضرباً لمفهوم الصداقة من خلال إبداع أفق جديد في العلاقات الإنسانية خارج القسمة التقليدية بين الواقع والمتخيل، بحيث تتعمق تجربة الاغتراب في عالم تحكمه التقنيات الجامدة.

أما عالم الانتربولوجيا الإنجليزي «دافيد ميلر» فقد دافع عن أطروحة مضادة في كتابه «قصص فيس بوك» Tales from Facebook، مبينا أن مواقع التواصل الاجتماعي قد ضاعفت إمكانات التفاعل الإنساني، ووفرت حلولاً غير مسبوقة للعجزة والمعزولين والمسنين، بل أدت في بعض الأحيان إلى خلق جسور بين مجتمعات متصادمة متناقضة.

قد يخلق العصر الرقمي آفاقاً جديدة للصداقة، لكنها صداقة تغيب عنها حرارة الحب والمودة وتكسر الروح وتنشف القلوب، ومع ذلك وكل ما قيل أختم لكم بقول: «ان للصداقة جوانب أخطر من الحب، لكنها تدوم أكثر من الحب».

 

الغول والعنقاء والخل الوفي


3 دقائقللقراءة

قالت العرب قديماً إن المستحيلات ثلاث هي: الغول والعنقاء والخل الوفي.. نظرة متشائمة في حضارة احتفت كثيراً بالصاحب والصحبة.. كتب أعلام كبار كالسلمي والغزالي والتوحيدي في آداب الصاحب والصحبة.

السؤال: ماذا ستكون الحياة دون أصدقاء يثق بهم المرء ويخصهم بأسراره الصغيرة ويطلعهم على حياته الخفية ويجالسهم في أوقات المسرات والأحزان؟ كيف هي الحياة بلا صديق؟ وهل هناك بهذا الزمان صديق حقيقي؟

كان الفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو يقول إن الصداقة هي المدخل للحياة السعيدة ودونها لا معنى للفضيلة ولا العدالة، بل إن المدينة الفاضلة لا تنال إلا بالصداقة، والسياسة ليست سوى القدرة على تحويل البشر العاديين إلى أصدقاء.

ومع ذلك تنتشر الكتابات والأمثال والقصص حول الصداقة المغدورة وحول أوهام الصداقة الزائفة.. كل واحد منا عاش تلك التجربة المريرة التي هي خيانة الصديق القريب.. عندما تحدث تلك الخيانة التي تجعل الإنسان يفقد ثقته بالبشر! فلا يرى فيهم إلا ما كان يقوله الفيلسوف هوبز من كون الإنسان ذئباً للإنسان.

الحل الذي اقترحه هوبز وأخذه الفكر السياسي الحديث برمته هو استبدال الصداقة بالقانون.. فلم تعد علاقات الناس تبنى على الثقة والوفاء، بل على الالتزامات المقننة التي تكفل الحقوق وتصونها من الجور والظلم في زمن غلب فيه الجور على الوفاء.

المدينة الحديثة نفسها في شكلها العمراني لا مكان فيها للصداقة، يتعايش فيها الناس عن بعد، لا يلتقون إلا لمصلحة عابرة، يقيمون في عمارة مشتركة دون ألفة أو ود.

الرواية الحديثة في الغرب، خصوصاً رواية القرن التاسع عشر والقرن العشرين، تصف لنا هذا العالم القلق الذي لا صداقة فيه، حيث يسود الخوف وتستلب العلاقات البشرية.. وتكفي الإشارة هنا إلى رواية جان بول سارتر «الغثيان» وإلى قوله في إحدى مسرحياته «جهنم هي الآخرون».

هل تحول الأمر مع العصر الرقمي وموضة مواقع التواصل الاجتماعي؟


ما أكثر الأصدقاء في العالم الافتراضي اليوم! لكل منا آلاف الأصدقاء، لا نعرف غالبيتهم المطلقة، وإن كنا نجاورهم إلكترونياً ونعيش معهم غالب وقتنا، ونتبادل معهم المشاعر والأحاسيس ونتقاسم معهم الأفراح والأتراح.

لكن هل هي صداقة حقيقية؟

أليست هي تعويضاً عن الصداقة الحقيقية، وتعبيراً عن الحاجة القصوى إليها في عالم يشهد أقسى أنواع الانفصام والعزلة والتفرد؟

قرأنا لكثير من علماء الاجتماع والنفس عن هذه الظاهرة الجديدة، اعتبرها بعضهم ضرباً لمفهوم الصداقة من خلال إبداع أفق جديد في العلاقات الإنسانية خارج القسمة التقليدية بين الواقع والمتخيل، بحيث تتعمق تجربة الاغتراب في عالم تحكمه التقنيات الجامدة.

أما عالم الانتربولوجيا الإنجليزي «دافيد ميلر» فقد دافع عن أطروحة مضادة في كتابه «قصص فيس بوك» Tales from Facebook، مبينا أن مواقع التواصل الاجتماعي قد ضاعفت إمكانات التفاعل الإنساني، ووفرت حلولاً غير مسبوقة للعجزة والمعزولين والمسنين، بل أدت في بعض الأحيان إلى خلق جسور بين مجتمعات متصادمة متناقضة.

قد يخلق العصر الرقمي آفاقاً جديدة للصداقة، لكنها صداقة تغيب عنها حرارة الحب والمودة وتكسر الروح وتنشف القلوب، ومع ذلك وكل ما قيل أختم لكم بقول: «ان للصداقة جوانب أخطر من الحب، لكنها تدوم أكثر من الحب».


 

الغول والعنقاء والخل الوفي


3 دقائقللقراءة

قالت العرب قديماً إن المستحيلات ثلاث هي: الغول والعنقاء والخل الوفي.. نظرة متشائمة في حضارة احتفت كثيراً بالصاحب والصحبة.. كتب أعلام كبار كالسلمي والغزالي والتوحيدي في آداب الصاحب والصحبة.

السؤال: ماذا ستكون الحياة دون أصدقاء يثق بهم المرء ويخصهم بأسراره الصغيرة ويطلعهم على حياته الخفية ويجالسهم في أوقات المسرات والأحزان؟ كيف هي الحياة بلا صديق؟ وهل هناك بهذا الزمان صديق حقيقي؟

كان الفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو يقول إن الصداقة هي المدخل للحياة السعيدة ودونها لا معنى للفضيلة ولا العدالة، بل إن المدينة الفاضلة لا تنال إلا بالصداقة، والسياسة ليست سوى القدرة على تحويل البشر العاديين إلى أصدقاء.

ومع ذلك تنتشر الكتابات والأمثال والقصص حول الصداقة المغدورة وحول أوهام الصداقة الزائفة.. كل واحد منا عاش تلك التجربة المريرة التي هي خيانة الصديق القريب.. عندما تحدث تلك الخيانة التي تجعل الإنسان يفقد ثقته بالبشر! فلا يرى فيهم إلا ما كان يقوله الفيلسوف هوبز من كون الإنسان ذئباً للإنسان.

الحل الذي اقترحه هوبز وأخذه الفكر السياسي الحديث برمته هو استبدال الصداقة بالقانون.. فلم تعد علاقات الناس تبنى على الثقة والوفاء، بل على الالتزامات المقننة التي تكفل الحقوق وتصونها من الجور والظلم في زمن غلب فيه الجور على الوفاء.

المدينة الحديثة نفسها في شكلها العمراني لا مكان فيها للصداقة، يتعايش فيها الناس عن بعد، لا يلتقون إلا لمصلحة عابرة، يقيمون في عمارة مشتركة دون ألفة أو ود.

الرواية الحديثة في الغرب، خصوصاً رواية القرن التاسع عشر والقرن العشرين، تصف لنا هذا العالم القلق الذي لا صداقة فيه، حيث يسود الخوف وتستلب العلاقات البشرية.. وتكفي الإشارة هنا إلى رواية جان بول سارتر «الغثيان» وإلى قوله في إحدى مسرحياته «جهنم هي الآخرون».

هل تحول الأمر مع العصر الرقمي وموضة مواقع التواصل الاجتماعي؟


ما أكثر الأصدقاء في العالم الافتراضي اليوم! لكل منا آلاف الأصدقاء، لا نعرف غالبيتهم المطلقة، وإن كنا نجاورهم إلكترونياً ونعيش معهم غالب وقتنا، ونتبادل معهم المشاعر والأحاسيس ونتقاسم معهم الأفراح والأتراح.

لكن هل هي صداقة حقيقية؟

أليست هي تعويضاً عن الصداقة الحقيقية، وتعبيراً عن الحاجة القصوى إليها في عالم يشهد أقسى أنواع الانفصام والعزلة والتفرد؟

قرأنا لكثير من علماء الاجتماع والنفس عن هذه الظاهرة الجديدة، اعتبرها بعضهم ضرباً لمفهوم الصداقة من خلال إبداع أفق جديد في العلاقات الإنسانية خارج القسمة التقليدية بين الواقع والمتخيل، بحيث تتعمق تجربة الاغتراب في عالم تحكمه التقنيات الجامدة.

أما عالم الانتربولوجيا الإنجليزي «دافيد ميلر» فقد دافع عن أطروحة مضادة في كتابه «قصص فيس بوك» Tales from Facebook، مبينا أن مواقع التواصل الاجتماعي قد ضاعفت إمكانات التفاعل الإنساني، ووفرت حلولاً غير مسبوقة للعجزة والمعزولين والمسنين، بل أدت في بعض الأحيان إلى خلق جسور بين مجتمعات متصادمة متناقضة.

قد يخلق العصر الرقمي آفاقاً جديدة للصداقة، لكنها صداقة تغيب عنها حرارة الحب والمودة وتكسر الروح وتنشف القلوب، ومع ذلك وكل ما قيل أختم لكم بقول: «ان للصداقة جوانب أخطر من الحب، لكنها تدوم أكثر من الحب».

لَمّا رَأَيتُ بَني الزَمانِ وَما بِهِم

خِلٌّ وَفِيٌّ لِلشَدائِدِ أَصطَفي

أَيقَنتُ أَنَّ المُستَحيلَ ثَلاثَةٌ

الغولُ وَالعَنقاءُ وَالخِلُّ الوَفي

— صفي الدين الحلي

أبيات من الشعر الشعبي صارت. أمثال

  يحفل الشعر الشعبي في المملكة وخصوصا القديم منه وقليل من جديده بأبيات سارت مسار الامثال ويرددها الناس في مجالسهم ويستشهد بها في بعض المناسب...