السبت، 8 يونيو 2024

قصص من أقوال البرامكة

[من أقوال البرامكة]

من قول يحيى بن خالد لابنه جعفر: يا بني، ما دام قلمك يرعف فامطره معروفاً.

ومن كلام جعفر: إذا أحببت إنساناً من غير سبب فارج خيره، وإذا أبغضت إنساناً من غير سبب فتوق شره.

[الرشيد يبكي على البرامكة]

قال يحيى بن سلام الأبرش، قال: حدثني أبي قال: خرج الرشيد للصيد يوماً بعدما أباد البرامكة فاجتاز بجدار خراب من جدران بني برمك فرأى لوحاً مكتوباً عليه هذه الأبيات:

يا منزلاً لعب الزمان بأهله ... فأبادهم بتفرق لا يجمع

إن الذين عهدتهم فيما مضى ... كان الزمان بهم يضر وينفع

أصبحت تفزع من رآك، وطالما ... كنا إليك من المخاوف نضرع

ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقي الذين حياتهم لا تنفع

قال: فبكى الرشيد، وأقبل على الأصمعي وقال: أتعرف شيئاً من أخبار البرامكة تحدثني به؟ فقال الأصمعي: ولي الأمان.

قال: ولك الأمان.

فقال: أحدثك بشيء شاهدته بعيني من الفضل بن يحيى، وذلك أنه خرج يوماً للصيد والقنص، وهو في موكبه، إذ رأى أعرابياً على ناقة قد أقبل من صدر البرية يركض في سيره، قال: هذا يقصدني.

فقلت: ومن أعلمك؟ قال: لا يكلمه أحدٌ غيري.

فلما دنا الأعرابي ورأى المضارب تضرب والخيام تنصب والعسكر الكثير، والجم الغفير، وسمع الغوغاء والضجة، ظن أنه أمير المؤمنين، فنزل وعقل راحلته وتقدم وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

قال: الآن قاربت، اجلس.

فجلس الأعرابي فقال له الفضل: من أين أقبلت يا أخا العرب؟ قال: من قضاعة.


قال: من أدناها أم من أقصاها؟ قال: من أقصاها.

قال الأصمعي: فالتفت إلي الفضل وقال: كم من العراق إلى أرض قضاعة.؟ فقلت: ثمانمائة فرسخ.

فقال: يا أخا العرب، مثلك لم يقصد من ثمانمائة فرسخ إلى العراق إلا لشيء.

قال: قصدت هؤلاء الأماجد الأنجاد الذين قد اشتهر معروفهم في البلاد.

قال: من هم؟ قال: البرامكة.

قال الفضل: يا أخا العرب البرامكة خلق كثير، وفيهم جليل وخطير، ولكن منهم خاصة وعامة، فهلا أفردت لنفسك منهم من اخترت لنفسك وأتيته لحاجتك؟ قال: أجل! أطولهم باعاً وأسمحهم كفاً.

قال: من هو؟ قال: الفضل بن يحيى بن خالد.

فقال له الفضل: يا أخا العرب، إن الفضل جليل القدر عظيم الخطر، إذا جلس للناس مجلساً عاماً لم يحضر مجلسه إلا العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء والكتاب والمناظرون للعم، أعالم أنت؟ قال: لا.

قال: أفأديب أنت؟ قال: لا.

قال: أفعارفٌ أنت بأيام العرب وأشعارها؟ قال: لا.

قال: هل وردت على الفضل بكتاب وسيلة؟ قال: لا.

فقال: يا أخا العرب غرتك نفسك، مثلك يقصد الفضل بن يحيى، وهو كما عرفتك عنه من الجلالة، بأي ذريعة أو وسيلة تقدم عليه؟ قال: والله يا أمير المؤمنين ما قصدته إلا لإحسانه المعروف وكرمه الموصوف وبيتين من الشعر قلتهما فيه.

فقال الفضل: يا أخا العرب أنشدني البيتين فإن كانا يصلحان أن تلقاه بهما أشرت عليك بلقائه، وإن كانا لا يصلحان أن تلقاه بهما بررتك بشيء من مالي ورجعت إلى باديتك وإن كنت لم تستحق بشعرك شيئاً. قال:أفتفعل أيها الأمير؟ قال: نعم.

قال: فإني أقول:

ألم تر أن الجود من عهد آدم ... تحدر حتى صار يملكه الفضل

ولو أن أماً قضها جوع طفلها ... ونادت على الفضل بن يحيى اغتذى الطفل

قال: أحسنت يا أخا العرب. فإن قال لك هذان البيتان قد مدحنا بهما شاعر، وأخذ الجائزة عليهما، فأنشدني غيرهما فما تقول؟ قال: أقول:


قد كان آدم حين حان وفاته ... أوصاك، وهو يجود بالحوباء

ببنيه أن ترعاهمو، فرعيتهم ... وكفيت آدم عيلة الأبناء

قال: أحسنت يا أخا العرب، فإن قال لك الفضل ممتحناً: هذان البيتان أخذتهما من أفواه الناس، فأنشدني غيرهما ما تقول، وقد رمقتك الأدباء بالأبصار، وامتدت الأعناق إليك، وتحتاج أن تناضل عن نفسك؟ قال:إذن أقول:

ملت جهابذ فضل وزن نائله ... ومل كاتبه إحصاء ما يهب

والله لولاك لم يمدح بمكرمة ... خلق، ولم يرتفع مجد ولا حسب

قال: أحسنت يا أخا العرب، فإن قال لك هذان البيتان أيضاً أخذتهما من أفواه الناس ما كنت قائلاً؟ قال: أقول:

وللفضل صولات على مال نفسه ... يرى المال منه بالمذلة والعنا

ولو أن رب المال أبصر ماله ... لصلى على مال الأمير وأذنا

قال: أحسنت يا أخا العرب، فإن قال لك الفضل: هذان البيتان مسروقان، أنشدني غيرهما ما تقول؟ قال: إذن أقول:

ولو قيل للمعروف ناد أخا العلا ... لنادى بأعلي الصوت يا فضل يا فضل

ولو أنفقت جدواك من رمل عالج ... لأصبح من جدواك قد نفد الرمل

قال: أحسنت يا أخا العرب، فإن قال لك الفضل: هذان البيتان مسروقان أيضاً أنشدني غيرهما ما تقول؟ قال:أقول:

وما الناس إلا اثنان: صب وباذلٌ ... وإني لذاك الصب والباذل الفضل

على أن لي مثلاً كما ذكر الورى ... وليس لفضلٍ في سماحته مثل

قال: أحسنت يا أخا العرب، فإن قال لك الفضل: أنشدني غيرهما ما تقول؟ قال: أقول أيها الأمير:

حكى الفضل عن يحيى سماحة خالد ... فقامت به التقوى وقام به العدل

وقام به المعروف شرقاً ومغرباً ... ولم يك للمعروف بعدٌ ولا قبل

قال: أحسنت يا أخا العرب، فإن قال لك: قد ضجرنا من الفاضل والمفضول أنشدني بيتين على الكنية لا على الاسم ما تقول؟ قال: إذن أقول:

ألا يا أبا العباس يا واحد الورى ... ويا ملكاً خد الملوك له نعل


إليك تسير الناس شرقاً ومغرباً ... فرادى وأزواجاً كأنهم نحل

قال: أحسنت يا أخا العرب، فإن قال لك الفضل: أنشدنا غير الاسم والكنية والقافية.

قال: والله لئن زادني الفضل وامتحنني بعد هذا لأقولن أربعة أبيات ما سبقني إليها عربي ولا أعجمي، ولئن زادني بعدها لأجمعن قوائم ناقتي هذه وأجعلها في حر أم الفضل وأرجعن إلى قضاعة خاسراً، ولا أبالي. فنكس الفضل رأسه، وقال للأعرابي: يا أخا العرب أسمعني الأبيات الأربعة: قال: أقولك

ولائمةٍ لامتك، يا فضل، في الندى ... فقلت لها: هل يقدح اللوم في البحر

أتنهين فضلاً عن عطاياه للغنى ... فمن ذا الذي ينهى السحاب عن القطر

كأن نوال الفضل في كل بلدةٍ ... تحدر هذا المزن في مهمة قفر

كأن وفود الناس في كل وجهة ... إلى الفضل لاقوا عنده ليلة القدر

قال: فأمسك الفضل عن فيه، وسقط على وجهه ضاحكاً، ثم رفع رأسه وقال: يا أخا العرب، أنا والله الفضل بن يحيى، سل ما شئت.

فقال: سألتك بالله أيها الأمير إنك لهو؟ قال: نعم.

قال له: فأقلني.

قال: أقالك الله، اذكر حاجتك.

قال: عشرة آلاف درهم.

قال الفضل: ازدريت بنا وبنفسك، يا أخا العرب، تعطى عشرة آلاف درهم في عشرة آلاف.

وأمر بدفع المال، فلما صار المال إليه حسده وزيره الفضل، وقال: يا مولاي هذا إسراف يأتيك جلف من أجلاف العرب بأبيات استرقها من أشعار العرب فتجزيه بهذا المال؟ فقال: استحقه بحضوره إلينا من أرض قضاعة.

قال الوزير: أقسمت عليك يا مولاي إلا أخذت سهماً من كنانتك وركبته في كبد قوسك وأومأت به إلى الأعرابي فإن رد عن نفسه ببيت من الشعر، وإلا استعدت مالك، ويكون له في بعضه كفاية.


فأخذ الفضل سهماً وركبه في كبد قوسه وأومأ به إلى الأعرابي وقال له: رد سهمي ببيت من الشعر؟ فأنشأ يقول:

لقوسك قوس الجود والوتر والندى ... وسهمك سهم العز فارم به فقري

قال: فضحك الفضل وأنشأ يقول:

إذا ملكت كفي منالاً ولم أنل ... فلا انبسطت كفي ولا نهضت رجلي

على الله إخلاف الذي قد بذلته ... فلا مسعدي بخلي ولا متلفي بذلي

أروني بخيلاً نال مجداً ببخله ... وهاتوا كريماً مات من كثرة البذل

ثم قال الفضل لوزيره: أعط الأعرابي مائة ألف درهم لقصده وشعره، ومائة ألف درهم ليكفينا شر قوائم ناقته.

فأخذ الأعرابي المال وانصرف، وهو يبكي فقال له الفضل: مم بكاؤك يا أعرابي استقلالاً بالمال الذي أعطيناك؟ قال: لا، ولكني أبكي على مثلك يأكله التراب وتواريه الأرض، وتذكرت قول الشاعر محمد الهمداني:


لعمرك ما الرزية فقد مال ... ولا فرس يموت ولا بعير

ولكن الرزية فقد حر ... يموت لموته خلقٌ كثير

وتوجه الأعرابي بالمال مسروراً رحمة الله عليهم أجمعين.

المكتبة الشاملة


https://shamela.ws/book/408/178#p1



قصيدة الفرزدق في زين العابدين أمام الخليفة هشام بن عبد الملك

 حجّ هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة[8] وجهد أن يستلم الحجر الأسود، فلم يصل إليه لكثرة زحام الناس عليه.[9] فنُصـب‌ له‌ منبر فجلس‌ علیه‌ وأطاف‌ به‌ أهل‌ الشام‌، فبينما هو كذلك‌ إذ أقبل‌ علي بن الحسين السجاد وعلیه‌ إزار ورداء، من‌ أحسن‌ الناس‌ وجهاً وأطيبهم‌ رائحةً وأنظفُهم ثوبا، بين‌ عينيه‌ سجّادة‌ فطاف بالبيت، فلما بلغ الحجر الأسود تنحّى الناس كلّهم وأخلَوا له الحجر ليستلمَه، هيبة وإجلالا له، فغاظ ذلك هشاما وبلغ منه. فقال‌ شامي‌: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة[8] يا أمير المؤمنين؟! فنكره هشام وقال: لاَ أعرِفُه، لئلاّ يرغب‌ فيه‌ أهل‌ الشام‌ ويسمعوا منه. فقال‌ الفرزدق‌ (وكان‌ من‌ شعراء بني‌ أمية‌ ومادحيهم‌) وكان‌ حاضراً: لكنّي‌ أنا أعرفه‌. فقال‌ الرجل الشامي‌ّ: مَن‌ هو يا أبا فراس‌؟! فأنشأ قصيدة‌ ذكر بعضها في‌ «الأغاني‌»[5]، و«حلية الأولياء[6]» والإرشاد[3]، والقصيدة‌ بتمامها هذه‌:

القصيدةعدل

يَا سَـائِلِي‌: أَيْنَ حَـلَّ الجُـودُ وَالكَـرَمُ
عِنْـدِي‌ بَـيَـانٌ إذَا طُـلاَّبُـهُ قَـدِمُـوا
هَذَا الذي‌ تَعْـرِفُ البَطْـحَاءُ وَطْـأَتَـهُ
وَالبَـيْـتُ يَعْـرِفُـهُ وَالحِـلُّ وَالحَـرَمُ
هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَهِ كُلِّهِمُ
هَذَا التَّقِي‌ُّ النَّقِي‌ُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ
هَذَا الذي‌ أحْمَدُ المُخْتَارُ وَالِدُهُ
صَلَّى عَلَیهِ إلَهِي‌ مَا جَرَى القَلَمُ
لَوْ يَعْلَمُ الرُّكْنُ مَنْ قَدْ جَاءَ يَلْثِمُهُ
لَخَرَّ يَلْثِمُ مِنْهُ مَا وَطَى القَدَمُ
هَذَا عليٌ رَسُولُ اللَهِ وَالِدُهُ
أَمْسَتْ بِنُورِ هُدَاهُ تَهْتَدِي‌ الاُمَمُ
هَذَا الَّذِي‌ عَمُّهُ الطَّيَّارُ جَعْفَرٌ
وَالمَقْتُولُ حَمْزَةُ لَيْثٌ حُبُّهُ قَسَمُ
هَذَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسْوَانِ فَاطِمَةٍ
وَابْنُ الوَصِيِّ الَّذِي‌ في‌ سَيْفِهِ نِقَمُ
إذَا رَأتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَا
إلَی‌ مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي‌ الكَرَمُ
يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانَ راحته
رُكْنُ الحَطِيمِ إذَا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُ
وَلَيْسَ قُولُكَ: مَنْ هَذَا؟ بِضَائِرِهِ
العُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أنْكَرْتَ وَالعَجَمُ
يُنْمَى إلَی‌ ذَرْوَةِ العِزِّ الَّتِي‌ قَصُرَتْ
عَنْ نَيْلِهَا عَرَبُ الإسْلاَمِ وَالعَجَمُ
يُغْضِي‌ حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ
فَمَا يُكَلَّمُ إلاَّ حِينَ يَبْتَسِمُ
يَنْجَابُ نُورُ الدُّجَى عَنْ نُورِ غُرِّتِهِ
كَالشَّمْسِ يَنْجَابُ عَنْ إشْرَاقِهَا الظُّلَمُ
بِكَفِّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ
مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ فِي‌ عِرْنِينِهِ شَمَمُ
مَا قَالَ: لاَ، قَطُّ إلاَّ فِي‌ تَشَهُّدِهِ
لَوْلاَ التَّشَهُّدُ كَانَتْ لاَؤهُ نَعَمُ
مُشتَقَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَهِ نَبْعَتُهُ
طَابَتْ عَنَاصِرُهُ وَالخِيمُ وَالشِّيَمُ
حَمَّالُ أثْقَالِ أَقْوَامٍ إذَا فُدِحُوا
حُلْوُ الشَّمَائِلِ تَحْلُو عِنْدَهُ نَعَمُ
إنْ قَالَ قَالَ بمِا يَهْوَى جَمِيعُهُمُ
وَإنْ تَكَلَّمَ يَوْماً زَانَهُ الكَلِمُ
هَذَا ابْنُ فَاطِمَةٍ إنْ كُنْتَ جَاهِلَهُ
بِجَدِّهِ أنبِيَاءُ اللَهِ قَدْ خُتِمُوا
اللهُ فَضَّلَهُ قِدْماً وَشَرَّفَهُ
جَرَى بِذَاكَ لَهُ فِي‌ لَوْحِهِ القَلَمُ
مَنْ جَدُّهُ دَانَ فَضْلُ الآنْبِيَاءِ لَهُ
وَفَضْلُ أُمَّتِهِ دَانَتْ لَهَا الاُمَمُ
عَمَّ البَرِيَّةَ بِالإحْسَانِ وَانْقَشَعَتْ
عَنْهَا العِمَأيَةُ وَالإمْلاَقُ وَالظُّلَمُ
كِلْتَا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفْعُهُمَا
يُسْتَوْكَفَانِ وَلاَ يَعْرُوهُمَا عَدَمُ
سَهْلُ الخَلِيقَةِ لاَ تُخْشَى بَوَادِرُهُ
يَزِينُهُ خَصْلَتَانِ: الحِلْمُ وَالكَرَمُ
لاَ يُخْلِفُ الوَعْدَ مَيْمُوناً نَقِيبَتُهُ
رَحْبُ الفِنَاءِ أَرِيبٌ حِينَ يُعْتَرَمُ
مِنْ مَعْشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ وَبُغْضُهُمُ
كُفْرٌ وَقُرْبُهُمُ مَنْجىً وَمُعْتَصَمُ
يُسْتَدْفَعُ السُّوءُ وَالبَلْوَى بِحُبِّهِمُ
وَيُسْتَزَادُ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ
مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللَهِ ذِكْرُهُمْ
فِي‌ كُلِّ فَرْضٍ وَمَخْتُومٌ بِهِ الكَلِمُ
إنْ عُدَّ أهْلُ التُّقَى كَانُوا أئمَّتَهُمْ
أوْ قِيلَ: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ الارْضِ قِيلَ: هُمُ
لاَ يَسْتَطِيعُ جَوَادٌ بُعْدَ غَأيَتِهِمْ
وَلاَ يُدَانِيهِمُ قَوْمٌ وَإنْ كَرُمُوا
هُمُ الغُيُوثُ إذَا مَا أزْمَةٌ أزَمَتْ
وَالاُسْدُ أُسْدُ الشَّرَى وَالبَأْسُ مُحْتَدِمُ
يَأبَى لَهُمْ أَنْ يَحِلَّ الذَّمُّ سَاحَتَهُمْ
خِيمٌ كَرِيمٌ وَأيْدٍ بِالنَّدَى هُضُمُ
لاَ يَقْبِضُ العُسْرُ بَسْطاً مِنْ أكُفِّهِمُ
سِيَّانِ ذَلِكَ إنْ أثْرَوْا وَإنْ عَدِمُوا
أيٌّ القَبَائِلِ لَيْسَتْ فِي‌ رَقَابِهِمُ
لاِوَّلِيَّةِ هَذَا أوْ لَهُ نِعَمُ
مَنْ يَعْرِفِ اللَهَ يَعْرِفْ أوَّلِيَّةَ ذَا
فَالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هَذَا نَالَهُ الاُمَمُ
بُيُوتُهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ يُسْتَضَاءُ بِهَا
فِي‌ النَّائِبَاتِ وَعِنْدَ الحُكْمِ إنْ حَكَمُوا
فَجَدُّهُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي‌ أُرُومَتِهَا
مُحَمَّدٌ وَعليّ بَعْدَهُ عَلَمُ
بَدرٌ له‌ شَاهِدٌ وَالشِّعْبُ مِنْ أُحُدٍ
والخَنْدَقَانِ وَيَومُ الفَتْحِ قَدْ عَلِمُوا
وَخَيْبَرٌ وَحُنَيْنٌ يَشْهَدَانِ لَهُ
وَفِي‌ قُرَيْضَةَ يَوْمٌ صَيْلَمٌ قَتَمُ
مَوَاطِنٌ قَدْ عَلَتْ فِي‌ كُلِّ نائِبَةٍ
علی‌ الصَّحَابَةِ لَمْ أَكْتُمْ كَمَا كَتَمُوا[2][8]

بعد إنشاء القصيدةعدل

فغضب هشام ومنع جائزته وقال : ألا قلت فينا مثلها؟ قال : هات جدا كجدّه وأبا كأبيه وأمّا كأمه حتى أقول فيكم مثلها، فحبسوه بعسفان بين مكة والمدينةفبلغ ذلك علي بن الحسين فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال: اعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به، فردها وقال: يا ابن رسول اللهما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله، وما كنت لارزأ عليه شيئا، فردها الإمامُ إليه[2] وقال: «بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك[2]، نحن أهل بيت لا يعود إلينا ما أعطينا»[5][8](في نقل آخر: «إنا أهل بيت إذا وهبنا شيئاً لا نستعيده[10]») فقبلها.

فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس ، فكان مما هجاه به قوله :

أيحبسني بين المدينة والتي
إليها قلوب الناس يهوي منيبها
يقلب رأسا لم يكن رأس سيد
وعينا له حولاء باد عيوبها[8][11]

فأخبر هشام بذلك فأطلقه، وفي رواية أبي بكر العلاف أنه أخرجه إلى البصرة.[2]