السبت، 15 يوليو 2023

قصة أبو نواس مع المأمون. الخمر يقتلني والعود يحييني

حكي أن المأمون أقسم بالله على أبي نواس إن لم يسق القاضي يحيى بن أكثمالخمر ليضربن عنقه

فاستمهله ثلاثة أيام وراح إلى بيته متفكرا وكانت له بنت صغيرة حاذقة كاملةفي كل فن من الفنون 

فحين رأته مفكرا قالت له يا أبتاه مالي أراك مفكرا طائش العقل فحكى لها ما قالله الخليفة فقالت 

أسهل ما يكون يا أبتاه قم واطلب من الخليفة جاريته "نصيبين" وكانت"نصيبين" من أحسن وصائف 

الخليفة فقام من ساعته ودخل على المأمون وقال يا أمير المؤمنين وخليفة الزمانإن أردت مني أن أسقي 

القاضي يحيى الخمر فلا يتم ذلك إلا أن تعطيني جاريتك نصيبين حتى تتم ليالحيلة وأسقيه الخمر 

فأمر له بها فأتى بها إلى بنته فقامت من ساعتها وتزينت بلباسها وزينتنصيبين وهيأت علبة وجعلت 

فيها جميع ما يحتاج إليه من آلات الشرب ثم قالت لأبيها خذنا وأهدنا للقاضييحيى فأخذهما 

ودخل بهما على القاضي وقال له يا مولانا القاضي أعزك الله إن رسول الله صلىالله عليه وسلم قد قبل الهدية 

فاقبل مني هديتي . وأخلى لهما مكانا قريبا من مجلس الدرس فقعد فيه ثم أمرلهما بطعام فأبتا أن تأكلا منه 

فقال لهما مالكما لا تأكلان الطعام وما يمنعكما أن تأكلا من زادي وقد وهبكمامولاكما لي فقالتا نعم 

نحن لا نأكل الطعام إلا بالشراب فكيف وقد قال جل من قائل ((كلوا واشربوا))فعند ذلك طلب لهما شراب 

الورد والتفاح والصندل وغيره من الأشربة المباحة فقالتا ليس شرابنا هذا وإنماشرابنا الخمر العتيق 

فقال القاضي قبح الله أبا نواس لقد أدخلني في حيرة معاذ الله أن يدخل مجلسيالخمر فقالتا إذا لا نقدر

على أكل الطعام بغيره وأن لم نشربه يضرنا الدسم وأولى لك أن تردنا إلى مولاناولا تأخذنا جبرا فتدخل 

في إثمنا وقد عرّفناك فصعب عليه ذلك واعتزل ناحية عنهما وقال افعلا ما شئتمافعند ذلك قامتا وفتحتا 

العلبة وأخرجتا الطاسات والكاسات حتى تلا القاضي(( لمثل هذا فليعملالعاملون)) وقعدتا وشربتا 

أقداحا وأخذت نصيبين العود وضربت أربعة وعشرين طريقة ثم نثرت العود منيدها حتى كاد أن يكون 

قطعا وقعدت تبكي فعند ذلك قال لهما القاضي ما سبب ذلك فقالتا لو كنا عندرجل وهو يهوانا لكان قعد 

معنا وحادثنا ونادمنا ولكن سوء حظنا وطالعنا ونصيبنا أوقعنا بين يدي من لايعرف لنا قدرا فعند ذلك 

قام القاضي وقعد معهما فتحادثوا وتمازحوا وتلامسوا وتهارشوا وتمارشوافملأت نصيبين فمها خمرا 

وقبّلت القاضي وألقت ما في فيها في فيه ،فملأت بنت أبي نواس القدح وناولتهفامتنع فقالت سبحان الله 

هذه تشرب من فمها وأنا تمتنع مني أن تشرب من يدي فأخذ القدح وشربه ولمتتركاه حتى أسكرتاه فخر

مغشيا عليه وكان في المجلس ورودا ورياحين فشقت له بنت أبي نواس لحدا منالورد وحطته فيه 

وأرسلت إلى أبيها أن اطلب الخليفة الساعة فجاء أبو نواس إلى الخليفة وقال لهقم إلى يحيى وانظر 

فقام معه ودخل على القاضي فوجده بتلك الحالة وهو ملقى فناداه المأمون ثلاثايا يحيى فلم يجبه فنظم 

الخليفة بيت وأمر نصيبين أن تغني بهما فغنت :


ناديته وهو ميْتٌ لا حراك به ** مكفن في ثياب ٍمن رياحينِ

فقلت قم فقال رِجلي لا تطاوعني** دعني فإني مشغول باثنينِ


وجعلت تردد الصوت فأفاق يحيى وأنشأ يقول :


يا سيدي وأمير الناس كلهم ** قد جار في حكمه من كان يسقيني

إني غفلت عن الساقي فصيّرني ** كما تراني سليب العقل والدينِ

لا أستطيع نهوضا قد وهَى جلَدي** ولا أجيب المنادي حين يدعوني

فاختر لنفسك غيري إنني رجلٌ** الراح يقتلني والعود يحييني

قصيدة صالح بن عبد القدوس في النصح

 #كل بيت في هذه القصيدة يعادل كتابا..  هي إحدى القصائد الخالدة للشاعر #صالح بن عبدالقدوس احد شعراء الدولة العباسية ..  تمعّنوا بكلماتها ومعا...