مثل فصيح ( عطرٌ وريح عمروٍ
يضرب مثلاً في اجتماع نوعين من المحبوب في حالٍ لا ينتفع معها بهما. وأصلهفيما روى بعض العلماء أن عمراً ذا الكلب الهذلى كان عشيقاً لأم جليحة، امرأةٍمن قيس، فأتاها ليلةً، فنذر به قومها فهرب، واتبعوه، فمر حتى رفعت له نارٌ،فأتاها، فوجد عندها رجلاً، فسأله طعاماً، فدفع إليه ثمراتٍ، فقال ثمرات تتبعهاعبرات، من نساء خفرات، ومضى فدخل غاراً، وجاء القوم يقصون أثره، حتى أتواالغار، فقالوا: أخرج إلينا، قال: فلم دخلته إذن! فقالوا لغلامٍ لهم: ادخل فاقتلهوأنت حرٌ، فقال عمرو للغلام: ويحك، وما ينفعك أن تعتق بعد أن تموت! فدخلفقتله عمروٍ، وقال: معي أربعة أسهم كأنياب أم جليحة، هي لأربعة منكم، فقتلأربعةً منهم، ثم نقبوا عليه من وراء الغار فقتلوه، وأتوا بثيابه أم جليحة، فوقعتعليها تصرخ وتقول: " عطرٌ وريح عمروٍ " ثم قالت: والله لئن قتلتموه لماوجدتم عانته وافيةً، ولا حجزته جافيةً، ولرب ضبٍ منكم قد احترشه، وثدىٍ قدافترشه، ومالٍ قد افترشه، وأنشات تقول:
كل امرىء بطول العيش مكذوب ... وكل من غالب الأيام مغلوب
وكل حىٍ وأن طالت سلامتهم ... يوماً طريقهم للشر دعبوب
أبلغ هذيلاً وأبلغ من يبلغها ... عنى رسولاً وبعض القول تكذيب
بأن ذا الكلب عمراً خيرهم نسباً ... ببطن بطنان يعوى حوله الذيب
التارك القرن تحت النقع مجندلاً ... كأنه من دم الأجواف مخضوب
والطاعن الطعنة النجلاء يتبعها ... مثعنجرٌ من نجيع الجوف أسكوب
والمخرج الكاعب الحسناء مذعنةً ... في السبى ينفح من أردانها الطيب
تمشى النسور إليه وهي لاهيةٌ ... مشى العذارى عليهن الجلابيب
فلن تروا مثل عمروٍ ما مشت قدمٌ ... وما استحنت إلى أعطانها النيب
……………. ……………..
قصة قصيدة كل امرئ بطوال العيش مكذوب
من أجمل المرثيات التي أنشدت على مر التاريخ هي مرثيات العصر الجاهلي، ومن هذه المرثيات مرثية شاعرتنا جنوب الهذلية التي قالتها في أخيها عمرو ذي الكلب الهذلي.
أما عن مناسبة قصيدة “كل امرئ بطوال العيش مكذوب” فيروى بأن عمرو ذو الكلب الهذلي كان يحب امرأة من بني فهم، ووصل خبره إلى أهلها، فخرجوا في أثره حتى تمكنوا من اللحاق به، وأدركوه في مكان يقال له السد، فدخل واختبأ في غار في هذا السد، فطلبوا منه الخروج، ولكنه رفض، فدخل إليه أحدهم، ولكنه تمكن من قتله، فدخل إليه بقيتهم، وتمكنوا من قتله.
وفي رواية أخرى يروى بأن عمرو ذو الكلب الهذلي كان كثيرًا ما يغزو ديار بني فهم، وفي يوم من الأيام وفي واحدة من تلك الغزوات أدركه الليل قبل أن يتمكن من غزوهم، فنام، وبينما هو نائم وثب عليه نمران، وقتلاه، وعندما وصل خبر مقتله إلى أخته جنوب الهذلية رثته بأبيات من الشعر وهي تبكي قائلة:
كُلُّ اِمرئ بِطِوالِ العَيشِ مَكذوبُ
وَكُلُّ مَن غالَبَ الأَيّامَ مَغلوبُ
تقول الشاعرة في هذا البيت بأنه لا يجب على المرء أن يصدق بأن عمره طويل، ومن يصدق ذلك فإنه مكذوب، وتقول بأن كل من يتحدى الأيام فإنه خاسر لا محالة.
وَكُلُّ حَيٍّ وَإِن طالَت سَلامَتَهُم
يَوماً طَريقُهُم في الشَرِّ دُعبوبُ
وَكُلُّ مَن غالَبَ الأَيّامَ مِن رَجُلٍ
مودٍ وَتابِعُهُ الشُبّانُ وَالشيبُ
بَينَنا الفَتى ناعِمٌ راضٍ بِعيشَتِهِ
سيقَ لَهُ مِن دَواهي الدَهرِ شُؤبوبُ
أَبلِغ بَني كاهِلٍ عَنّي مُغَلغَلَةً
وَالقَومُ مِن دونِهِم سَعيا وَمَركوبُ
أَبلِغ هُذَيلاً وَأَبلِغ مِن يَبَلِّغَها
عَنّي رَسولاً وَبَعضُ القَولِ تَكذيبُ
بِأَنّ ذاَ الكَلبِ عَمراً خَيرُهُم نَسَباً
بِبَطنِ شَريانَ يِعوي عِندَهُ الذيبُ
الطاعِنُ الطَعنَةَ النَجلاءَ يَتبَعَها
مُثعَنجِرٌ مِن دِماءِ الجَوفِ أُثعوبُ
والتارك القرن مصفراً أنامله
كأنه من رجيع الجوف مخضوب
تَمشي النُسورُ إِلَيهِ وَهِيَ لاهِيَةٌ
مَشيَ العَذارى عَلَيهِنَّ الجَلابيبُ
المُخرِجُ الكاعِبَ الحَسناءَ مُذعِنَةً
في السَبيِ يَنفَحُ مِن أَردانِها الطيبُ
فَلَم يَرَوا مِثلَ عَمرٍو ما خَطَت قَدَمٌ
وَلَن يَرَوا مِثلَهُ ما حَنَّتِ النِيَبُ
فَاِجزوا تَأَبَّطَ شَرّاً لا أَبالَكُم
صاعاً بِصاعٍ فَإِنَّ الذُلَّ مَعتوبُ
نبذة عن جنوب الهذلية
هي جنوب بنت العجلان بن عامر بن برد بن منيه الهذلية، وهي شاعرة من شاعرات العصر الجاهلي، وأخت الشاعر عمرو ذو الكلب الهذلي، ورد شعرها في ديوان الهذليين.
الخلاصة من قصة القصيدة: قتل عمرو ذو الكلب الهذلي، وعندما وصل خبر مقتله إلى أخته رثته بأبيات من الشعر.
www.islamport.com