الأربعاء، 31 أغسطس 2022

قصة البيت : تعدو الذئاب

مشعل عثمان السعيد

لا يمكن لنا مقارنة الذئب بالكلب، لأن الفرق بينهما شاسع، فلم يكن الكلب في يوممن الأيام في مصاف الذئب، لأن الذئب يفوق الكلب بأمور كثيرة منها: شدة الفتكوالشراسة، ومنها الذكاء والمكر والدهاء، وغيرها والسؤال الذي يتبادر إلى الذهنحين نتأمل هذا البيت:
“تعدو الذئابُ على من لا كلابَ له
وتتّقي مربض المستنفِرِ الحامي”
هل الذئاب تخاف ان تهاجم مكانا به كلاب؟
الإجابة إن الذئاب لا تخاف من الكلاب على الإطلاق، وإنما هي ذكية تعلم أنالكلاب إذا رأتها ستنبح، وإذا نبحت الكلاب قام صاحب المكان وربما قتلها، إذاًهي لاتغير إلا على المكان الذي لاكلاب فيه، فالكلاب دائماً ما تكون مستنفرة علىأهبة الاستعداد، لأنها أصلا للحراسة، من هنا يتضح لنا أن الذئاب تهاجم من لاناصر له، ولا تدنو ممن هو متيقظ ذو صولة، ومن الأمثال كانوا يقولون “ذل منلا سيف له” وذل من لا ناصر له، هذا البيت منسوب للنابغة الذبياني زياد بنمعاوية بن ضباب المتوفى 18 ق، هـ، إلا أني لم أجده في ديوانه، ولكن محمدأبي الفضل إبراهيم قال إن البيت نسب للنابغة في نسخة الشنقيطي المحفوظةبدار الكتب المصرية، ونسب الجاحظ هذا البيت لجرير بن عطية، كما نسبه أبوهلال العسكري في “جمهرة الأمثال” للزبرقان بن بدر، إلا أن ابن سلام الجمحيقال في “طبقات فحول الشعراء” إن من رواه للنابغة يقول:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له
وتتقي مربض المستنفر الحامي”.
ومن رواه للزبرقان بن بدر يقول:
“إن الذئاب ترى من لا كلاب له
وتحتمي مربض المستـثْـفِر الحامي”.
وقد ذكر لكم ذلك للأمانة التاريخية، وقد بنيت على هذا البيت المشهور الكثير منالقصص.
روى صاحب “زهر الأكم في الامثال والحكم” قال: “بينما عمر بن أبي ربيعةالمخزومي يطوف بالبيت إذا أبصر امرأة أعجبته، فاقترب منها وكلمها فنفرت منهوقالت: إليك عني، فإني ببيت الله، وموضع عظيم الحرمة، فألح عمر عليهاوشغلها عن الطواف، فذهبت إلى أهلها وقالت لأخيها: إحضر معي حتى ترينيالمناسكفجاء معها، فلما رآه عمر تباعد عنها، فتمثلت الفتاة بهذا البيت:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له
وتتقي صولة المستنفر الحامي”.
وروى صاحب “الأغاني”، رواية فيها بعض الإختلاف، فقال:”إن عمر بن ربيعةتعرض لامرأة أبو الأسود الدؤلي، وكانت على جانب كبير من الجمال، فبينماهي تطوف بالبيت إذ عرض لها عمر، فأتت زوجها أبا الأسود، فلما عادت المرأةإلى المسجد عاد عمر فكلمها، فأخبرت زوجها مرة ثانية، فأتاه أبو الأسود وهوجالس مع قومه، فقال له:
“وإني ليُثنيني عن الجهل والخَنا
وعن شتم أقوام خلائقُ أربع ُ
حياءٌ وإسلام وتقوى وإنني
كريم، ومثلي قد يضرُّ وينفع
فشتّانَ ما بيني وبينك إنني
على كل حال أسـتقيم وتظلع”.
فقال له عمر: يا عمّ لا أعود لكلامها بعد هذا اليوم، ثم عاد فكلمها، فأتت أباالأسود فأخبرته، فجاء إليه وقال:
“أنت الفتى وابن الفتى وأخو الفتى
وسيدنا لولا خلائق أربع!
نُكول عن الجُلّى وقرب من الخَنا
وبخل عن الجدوى وأنك تُبَّع”.
“تبع، تعني كثير تتبع النساء” ثم خرجت المرأة إلى الطواف وخرج معها أبوالأسود مشتملاً على سيف، فلما رآه عمر أعرض عن المرأة فقال أبو الأسود:
“تعدو الذئاب على من لا كلاب له
وتتقي صولة المستنفر الحامي”.
أيها السادة إن كان بيت الشعر للنابغة فهو ضمن ثلاثة شعراء تقدموا علىجميع شعراء الجاهلية، وهم امرؤ القيس وزهير بن أبي سلمى والنابغة هذا ،وقد سمي النابغة لنبوغه في الشعر، وهناك من قال إن سبب ذلك نبوغه فيالشعر وهو رجل، (ابن قتيبة) وكان قريبا من النعمان بن المنذر، وهو من الأشرافالذين غض الشعر منهم، أما معلقته فيقول فيها:
 يا دارمية بالعلياء فالسند
أقوت وطال عليها سالف الأبد
وقفت فيها أصيلاً كي أسائلها
والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد”.
ذكر أنه كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ، فتقصده الشعراءفتعرض عليه قصائده لمكانته العظيمة، ويعجبني قوله بعد أن شاخ وهي أبياتحكمة:
“المرء يأمل أن يعيش
وطول عيش قد يضره
تفنى بشاشته، ويبقى
بعد حلو العيش مره
وتخونه الأيام حتى
لا يرى شيئاً يسره
كم شامت بي إن
هلكت وقائل لله دره”.

أكتفي بهذا القدر.
جف القلم ونشفت المحبرة، في أمان الله.

كاتب كويتي

قصة البيت. الزول زوله والحلايا حلاياه

 الزول زوله والحلايـا حلايـاه

والفعل ماهو فعل وافي الخصايل

هذا البيت أشهر من نار على علم وتردد كثيرا على ألسنة الناس في كثير من المناسبات المختلفة وهو نتاج قصة حقيقية حدثت في الزمن القديم فهذا البيت لزوجة الشيخ وديد بن عروج شيخ قبيلة بني لام التي كان موطنها العارض في وسط نجد وقد كانت قبيلة كثيرة العدد تفرعت منها عدة قبائل معروفة الآن في جزيرة العرب ومنها من نزح إلى العراق.

أما قصة البيت المذكور أعلاه فهي أن الشيخ وديد بن عروج قد أشتهر بالمغازي الكثيرة وكان لديه ذلولا أصيلة ولكنها دائما ضعيفة وهزيلة الحال لكثرة غزواته عليها ولم يبن الشحم على جسمها بسبب ذلك ، وبعد موته تقدم أخوه (لزّام) للزواج من أرملة أخيه لحفظ الأبناء وتربيتهم ، وتم الأمر إلا أن الفرق بين الرجلين كان كبيرا جدا في نظر الزوجة ، فلزّام لم يظهر له فعل كأخيه وديد وأكتفى في حياة أخيه بالمكوث في البيت وقضاء لوازمهم إذا ما غاب أخيه للغزو .
وقد زاد حزن الزوجة عندما رأت الذلول الهزيل وقد تغيرت أوصافها وتبدل حالها فمن بعد الهزال ركب الشحم عليها وفي احدى المرات عاد الراعي بالإبل فإذا بالذلول (تهدر) وكأنها جمل ، فتذكرت زوجها السابق الشيخ وديد وغزواته ومحاسنه التي تفتخر بها كأي أمرأة بدوية تحب الرجل الفارس الشجاع ، وقارنت بين حياتها تلك وبين حياتها الحالية مع أخيه لزّام فقالت :

يالله يا عايـد علـى كـل مضمـاه

يا مخضر الأرض الهشيم المحايـل

أنت الكريم ورحمتـك مـا نسينـاه

تروف باللـي دوم عينـه تخايـل

تلطف بمـن كـن عينـه مـداواه

اللـي بقلبـه حاميـات المـلايـل

ألوج مثل أيوب مـن عظـم بلـواه

واسهر إلى ما يصبح النجـم زايـل

على حبيـبٍ كـل ماقلـت أبنسـاه

لذكره تفطني مـن الهجـن حايـل

ليـا نسيتـه ذكرتـنـي بطـريـاه


شيبا ظهر من عاصيـات الجلايـل


يلتاع قلبي كل مـا أذكـر سوايـاه


كما يلـوع الطيـر شبـك الحبايـل


لا واحبيبـي سبـع سنيـن فرقـاه

عليه أنـا قضيّـت كـل الجدايـل

لا واحبيبي يتلف الهجـن ممشـاه

ليـا بغـى لـه نيـةٍ مـا يسايـل

لا واحبيبي يسقي الربع مـن مـاه

دليلـهـن لا ضيّـعـوه الـدلايـل

لا واحبيبي يرعب الهجـن بغنـاه


من كثر ما يوحيـه ليـل وقوايـل


لا واحبيبـي كـل قـومٍ تنـصـاه


تلقـى ربوعـه طيبيـن القبـايـل

لا واحبيبي تدفـق السمـن يمنـاه

ياما ذبح من بيـن كبـشٍ وحايـل

لا واحبيبـي وافـيـاتٍ سجـايـاه

عليـه غضـات الصبايـا غلايـل

لا واحبيبـي دوم للعفـن متـقـاه

يامـا كلنـه مدمـجـات الفتـايـل

لا واحبيـبـي بـيـن ذولا وذولاه

خلـي بوجـه معدليـن الدبـايـل

لا واحبيبـي طـاح يـوم الملاقـاه

بنحور غلبا فـوق غـب السلايـل

لا واحبيبي طيـر شلـوى تعشـاه

قطاعة المهجـة سناعيـس حايـل

يا عارفين وديد يا طـول هجـراه

يا ليتني بوديـد مـا أبغـى بدايـل

أخذت أخوه أبي العوض ذاك من ذاه

والبيت واحد مـن كبـار الحمايـل

عنـدي مثيلـه واحـدٍ كنـه إيـاه

عليه من توصيـف خلـي مثايـل

الـزول زولـه والحلايـا حلايـاه

والفعل ماهو فعل وافـي الخصايـل


كما قالت أيضا في تلك المقارنة عدة قصائد منها هذه القصيدة القوية التي قالت فيها :

يافاطري ياما جرالك مـن العنـا

مع دربك العيرات نشّت لحومهـا

غدا عنك نواس العدا مرذي النضا

يجرها مع ما نبـا مـن حزومهـا

غدا عنك وأرث في مكانه ازلابـه

تروعه الظلمـا بتالـي نجومهـا

ياما حويتي جـل ذودٍ مـن العـدا

أضحى عليها الغزو يفرق سهومها

وياما يثور عند عينك من الدخـن

معاركٍ تدنـي لـلأرواح يومهـا

عليك مقـدم لابـةٍ شـاع ذكـره

حامي تواليهـا مقـدي يمومهـا


ولسوء حظ الزوجة فقد سمعها زوجها لزّام وأضمر الشر في نفسه لكنه لم يشأ أن يعاقبها إلا بعد أن يجعلها ترى فعله وشجاعته وبالفعل قام باعلان المغزى وطالت غزواته حتى أن رفاقه سئموا من طول المدة وكان كلما كسب شيئا أرسله إلى قومه وهو ماضٍ في غزواته وقد أنشد هذه القصيدة :


أنا ابن عروج وهـاذي سواتـي

موصل سمان الهجن شنٍ ما يجنه

خمسين يومٍ والنضـا مقفياتـي

مع مثلهن وهن علـى وجههنـه

نمشي النهار وليلنا مـا نباتـي

كم ذود مصلاحٍ امنيـسٍ خذنـه

من ظن فينا الطيب شافه ثباتـي

واللي هقى فينا الردى ضاع ظنه

كم من صبـيٍ عشقـةٍ للبناتـي

عقب التعجرف بدّل الضحك ونه

استاخذ المذهول عاف الحياتـي

هو ما درى إن الهجن بيوصلنـه

من فوق هجنٍ من فحلهن خواتي

غيب الصبايا الخافيـة يظهرنـه

ولما رجع من غزواته كانت ذلوله بالكاد تمشي وفي حالة يرثى لها من شدة الاعياء والهزال ويقال أنها بركت قبل أن تصل إلى البيت ، فأمر زوجته أن تذهب لإحضارها وكان يمشي خلفها يريد الفتك بها لما قالته سابقا من قصائد تمس كرامته وهي لم تكن تعلم بأنه يمشي خلفها ، فلما رأت الذلول على تلك الحال قالت هذه القصيدة التي كانت سبباً في نجاتها من خطر لم تكن تعلم عنه :

يا بكرتي وش علـم حالـك ضعيفـي

أشوف حيلـك وانـيٍ عقـب الأردام

عقب الفسـق ومهـادرك بالمصيفـي

ومصـاول القعـدان مرباعـك العـام

عقـب الاباهـر والسنـام المنيفـي

صرتي كما المفرود مـن فعـل لـزّام

قطـع عليـك ديـار قـومٍ تخيـفـي

تسعين ليله راكب الهجـن مـا نـام

أقفى عليك مـن الحسـاء للقطيفـي

لحوران والحرة إلـى نقـرة الشـام

وتدمر وصلهـا وخمّهـا مستخيفـي

واشبيح والضاحـك وقديـم الأقـدام

وأخـذ عليـك اذواد جـوٍ مريـفـي

وضحك كما برق الحبـاري بالأكـوام

يزفهـا يـقـداه مشـيـه هريـفـي

واقفى عليهن متلف الهجـن لا قـام

وعادوا على العارض ركيـبٍ يهيفـي

يتلون ابـن عـروج مقـدم بنـي لام

زهابهـم حـب القرايـا النظيـفـي

وسلاحهم صنـع الفرنجـي والأروام

ياما انقطع مع ساقتـه مـن عسيفـي

ومن فاطرٍ مشيه عن الجيـش قـدام

عقـب الشحـم وملافخـه للرديفـي

قامت تسندر مثل مبخـوص الأقـدام

توي هنيـت وطـاب بالـي وكيفـي

من عقب ضيمي صرت في خير وأنعام

وهكذا أثبت لزّام أنه لا يقل عن أخيه شجاعة وفروسية وثبت للزوجة أن الخلف كالسلف

وسلامتكم

الأحد، 21 أغسطس 2022

قصيدة دوقلة المنبجي اليتيمه

 القصيدة اليتيمة

شعر: دوقلة المنبجيّ

الطلل

هـل  بالطلول لسـائل رَدّ أم هـل لها بتكلّم عـهـدُ

درس الجديد جـديد مَعْهَدِها فكأنّما هـي رّيْطة جَـرْد

من طول ما تبكي  الغمام على عَرَصاتها ويُقـهقهُ الرعدُ

وتُـلثُّ سـاريةٌ وغـاديـةٌ ويَـكرُّ نحس خلفه سـعد

تـلقـاء شـاميةٍ يمـانيـةٌ لهما بمَوْرِ تُـرابها سَـردُ

فكست بواطنُها ظـواهرَهـا نَوراً كـأنَّ زَهاءَه بُـرد

فوقفتُ أسألها ولـيـسَ بها إلا المها ونقانـقٌ رُبــدُ

فتبادرت دِرَرٌ الشئـون على خدّي كما يتـناثرُ العقـد

أو نَضْجُ عزلاءِ الشّعيب وقد راح العيفُ بِمِلئِها يَعـدو

خلق دعد

لهفي على دَعـد وما خُلفت إلا لحـرِّ تلهّفـي دعــدُ

بيضاء قد لبـس الأديمُ بَها ء الحُسن فهـو لجلدها جلد

ويزين فَوْدَيـها إذا حَسرت ضافي الغـدائر فاحمٌ جَعدُ

فالوجه مثلَ الصبح مبيـضٌ والشـعر مثلَ الليل مسودّ

ضدّان لما اسـتجمعا حَسنا والضـدّ يُظهر حُسّهُ الضِدّ

وجبينها صَـلْتٌ وحاجبـها شَخْـتُ المخَطّ أزَجُّ ممـتد

وكأنها وسـنى إذا نظرتْ أو مُـدنَفٌ لما يُفِـقْ بعـدُ

بفتور عينٍ ما بـها رَمَـدُ وبـها تُداوى الأعينُ الرُّمد

وتُريك عِـرنيـناً يزيّنـه شَمَمٌ وخَدَّاً لـونُـهُ الـورد

وتجيل مسواكَ الأراك على رَتلٍ كـأن رُضابه الشَـهدُ

والجيد منها جيدُ جـازئـة تعـطو إذا ما طالها المرْد

وامتدّ من أعضادها قصبٌ فَمْمٌ تلـتـه مَرافـق دُرْد

والمِعصَمان فما يُرى لهمـا مـن نَعمة وبضاضةٍ زند

ولها بـنان لـو أردتَ لـه عَقـداً بكفّكَ أمكن العقـد

وكأنما سـُقيت تـرائبُهـا والنحر ماءَ الورد إذ تبدو

وبصدرها حُقـّان خِلتهـما كافورتين علاهـما نَـدُّ

والبطن مطوىّ كما طُويتْ بيضٌ الرياط يصونها المَلْد

وبخصرها هَيـفٌ يـزيّنـه فـإذا تنـوء يكـاد ينـقدُّ

والتفّ فَخذاها وفـوقـهـما كَفَـل يجاذب خصرها نَهد

فقيامُهـا مثنى إذا نهضـت مـن ثقله وقعودهـا فَـرد

والساق خـَرعبة منـعّمـةٌ عَبـِلتْ فطَوق الحَجل منسدّ

والكَـعب أدرمُ لا يبين لـه حَـجم وليس لرأسـه حـَدُّ

ومشت على قدمين خُصرَتا وأليـنتـا، فتـكامل القـدّ

ما عابَها طول ولا قِصْـرٌ فـي خَلْقها فقِوامُها قَصـدُ

شكوى الهجر والصدود

إن لم يكن وصل لديـكِ لنـا يشفي الصبابةَ فليكـنْ وعـد

قد كان أورق وصلُكـم زمناً فذَوى الوصال وأورق الصَدّ

لله أشـواقـي إذا نَـزحـتْ دارٌ بـنا ونـأى بـكم بُعـدُ

إنْ تُتْهمي فـتهامـةٌ وطنـي أو تُنجِدي يكن الهوى نجـد

وزعمتِ أنكِ تضمرين لنـا ودّاً فـهـلاّ ينـفـع الـوُدّ!

وإذا المحبّ شكا الصدودَ ولم يُعطَف عليـه فقتـله عَمـْد

تختصّها بالودّ وهـي علـى مالا تحبُّ ، فهـكذا الوجـد

الفخر بأخلاق النفس

أو ما ترى طِمريَّ بينهمـا رجـلٌ ألحَّ بهـزلـه الجِـدُّ

فالسيف يقطَع وهو ذو صَدا والنصل يعلو الهام لا الغِمـد

هل تنفعنّ السيفَ حـليتـه يوم الجـلاد إذا نبـا الحَـدُّ

ولقد علمتِ بـأنني رجـل في الصالحات أرواح أو أغدو

سَلْمٌ على الأدنى ومَرحمـةٌ وعلى الحوادث هادِنٌ جـَلْدُ

مَتجلببٌ ثوبَ العَفاف وقـد غفل الرقيب وأمكـن الـورد

ومُجانبٌ فعلَ القبيح وقـد وصل الحبيبُ وساعد السـعدُ

منع المطامـع أن تُثلّـمني أني لمعْوَلِهـا صفـاً صـلـدُ

فأروح حُـراً من مذلتـها والحرُّ – حين يطيعها - عبدُ

آليتُ أمـدح مُـقرفاً أبـدا يبقى المديح ويَـنـفدُ الرفـد

هيهات يأبى ذاك لي سَلفٌ خَمدوا ولم يـخمد لهم مجـد

والجد كنـدةُ والبنون هـمُ فزكا البنون وأنجـبَ الجـدّ

فلئن قفوتُ جميـل فعلهـم بذمـيم فعـلى إنني وَغـْد

أجملْ إذا حاولتَ في طلب فالـجِدّ يغني عنك لا الجَـدّ

ليكـنْ لديك لسـائلٍ فَـرجٌ إن لم يكـن فَليَحْسُنِ الـردُّ

وطريد ليـل سـاقَه سَـغَبٌ وَهْنـاً إلـيَّ وقـادَه بَـرْد

أوسعتُ جُهدَ بشاشـة وقِرى وعلى الـكريم لضيفه الجُهد

فتصـرّمَ المثُنـي ومنزلـه رَحْـبٌ لديّ وعيشه رَغـْد

ثـم اغتـدى ورداؤه نعَـمٌ أسأرتُها وردائـي الحـمد

يا ليت شِعري بعـد ذالكُـمُ ومصـيرُ كلّ مؤملٍ لحـد

أصريعُ كَلْمٍ أم صريع ضَناً أودَى فلـيس من الرَدى بُدّ

الجمعة، 5 أغسطس 2022

قصيدة في الرثاء متمم. بن موزة يرثي اخاه مالك


لَعَمْرِي وما دَهْرِي بِتَأْبِينِ هَالِكٍ

ولا جَزَعٍ مِمَّا أَصَابَ فَأَوْجَعَا

لَقَدْ كَفَّنَ المِنْهَالُ تحتَ رِدَائِهِ

فَتًى غيرَ مِبْطانِ العَشِيَّاتِ أَرْوَعَا

تَرَاهُ كَصَدْرِ السَّيفِ يَهْتَزُّ لِلنَّدَى

إذا لم تَجِدْ عندَ امرئِ السَّوْءِ مَطْمَعَا

وَإِنْ ضَرَّسَ الغزوُ الرِّجالَ رَأَيْتَهُ

أَخَا الحربِ صَدْقًا في الِّلقاءِ سَمَيْدَعَا

وما كان وَقَّافًا إذا الخيلُ أَجْمَحَتْ

ولا طَائِشًا عندَ الِّلقاءِ مُدَفَّعَا

فَعَيْنَيَّ هَلاَّ تَبْكِيانِ لِمَالِكٍ

إذا أَذْرَتِ الرِّيحُ الكَنِيفَ المُرَفَّعَا

ولِلشَّرْبِ فابْكِي مَالِكًا وَلِبُهْمَةٍ

شَدِيدٍ نَوَاحِيهِ على مَن تَشَجَّعا

وأَرْمَلَةٍ تَمْشِي بأشعثَ مُحْثَلٍ

كَفَرْخِ الحُبَارَى رَأْسُهُ قدْ تَضَوَّعَا

إذا جَرَّدَ القومُ القِدَاحَ وَأُوقِدَتْ

لهمْ نَارُ أَيْسَارٍ كَفَى مَن تَضَجَّعَا

وَإِنْ شَهِدَ الأَيسارَ لم يُلْفَ مَالِكٌ

على الفَرْثِ يَحْمِي الَّلحمَ أَنْ يَتَمَزَّعَا

أَبَى الصَّبْرَ آياتٌ أَرَاها وَأَنَّنِي

أَرَى كلَّ حَبْلٍ بعدَ حَبْلِكَ أَقْطَعَا

وَأَنِّي متى ما أَدْعُ بِاسْمِكَ لا تُجِبْ

وكنتَ جَدِيراً أَنْ تُجِيبَ وتُسْمِعَا

وَعِشْنَا بِخَيْرٍ في الحياةِ وَقَبْلَنَا

أصابَ المَنَايَا رَهْطَ كِسْرَى وَتُبَّعَا

فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكاً

لِطُولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ لَيْلَةً مَعَا

وكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيْمَةَ حِقْبَةً

مِن الدَّهرِ حتى قيلَ لنْ يَتَصَدَّعَا

فإِنْ تَكنِ الأيَّامُ فَرَّقْنَا بَيْنَنَا

فقدَ بانَ مَحْمُوداً أَخِي حينَ وَدَّعَا

سَقَى اللهُ أَرْضاً حَلَّها قَبْرُ مَالِكٍ

ذِهَابَ الغَوَادِي المُدْجِنَاتِ فَأَمْرَعَا

فَو اللهِ ما أُسْقِي البلادَ لِحُبِّها

ولكنَّني أُسْقِي الحبيبَ المُوَدَّعَا

تَحِيَّتُهُ مِنِّي وَإِنْ كانَ نَائِياً

وأمسى تُرَاباً فَوْقَهُ الأَرْضُ بَلْقَعَا

تقولُ ابنةُ العَمْرِيِّ مَا لَكَ بعدَما

أراكَ حَدِيثًاً نَاعِمَ البالَ أَفْرَعَا

فقلتُ لها طولُ الأَسَى إِذْ سَأَلْتِنِي

وَلَوْعَةُ حُزْنٍ تَتْرُكُ الوَجْهَ أَسْفَعَا

وَإِنِّي وَإِنْ هَازَلْتِنِي قدْ أَصَابَنِي

مِن البَثِّ ما يُبْكِي الحَزِينَ المُفَجَّعَا

فلا فَرِحاً إِنْ كنتُ يوماً بِغِبْطَةٍ

ولا جَزِعاً مِمَّا أَصَابَ فَأَوْجَعَا

فلو أَنْ ما أَلْقَى يُصِيبُ مُتَالِعاً

أوِ الرُّكْنَ مِن سَلْمَى إِذن لَتَضَعْضَعَا

بَأَوْجَدَ مِنِّي يومَ قامَ بِمَالِكٍ

مُنَادٍ بَصِيرٌ بالفِرَاقِ فَأَسْمَعَا

ألمْ تَأْتِ أَخْبَارُ المُحِلِّ سَرَاتَكمْ

فَيَغْضَبَ منكمْ كلُّ مَن كان مُوجَعَا

بِمَشْمَتِهِ إِذْ صَادَفَ الحَتْفُ مَالِكاً

وَمشْهَدِهِ ما قَدْ رَأَى ثمَّ ضَيَّعَا

فلا تَفْرَحَنْ يوماً بنفسِك إِنَّنِي

أَرَى المَوْتَ وَقَّاعاً على مَنْ تَشَجَّعَا

فلا يَهْنِئِ الوَاشِينَ مَقْتَلُ مَالِكٍ

فقدَ آبَ شَانِيهِ إِيَاباً فَوَدَّعَا


معلقة الأعشى وقصته

  وَدِّع   هُرَيرَةَ   إِنَّ   الرَكبَ   مُرتَحِلُ   وَهَل   تُطيقُ   وَداعاً   أَيُّها   الرَجُلُ غَرّاءُ   فَرعاءُ   مَصقولٌ   عَوارِضُها ...