هو معن بن أوس بن نصر بن زياد من بني ربيعة بن عديّ من بني مزينة بن أدّ.
ولد معن بن أوس في أعقاب الجاهلية و بلغ مبلغ الشباب و شهد فيها أيضا معارك نشبت بين بني قومه في الحجاز. ويبدو أنه لما أسلم ووفد على عمر بن الخطّاب استقر في المدينة. و كان معن على شيء من اليسار يملك نخلات في المدينة و شيئا من الأرض في أماكن أخر، و يملك كثيرا من الابل (1). و قد حملته تجارته مرة إلى البصرة و تزوج فيها، و لكن لم تطل إقامته هناك.
و لم يخرج معن بن أوس في الفتوح و لكنه اشترك في الفتنة بين عثمان و عليّ، و كان يتكسّب بمديح نفر من الصحابة في مكّة و المدينة.
و أسنّ معن بن أوس كثيرا و عمي في شيخوخته ثم توفّي في سنة 64 ه (684 م) ، في أول الفتنة بين عبد اللّه بن الزبير و بين مروان بن الحكم.
معن بن أوس شاعر مجيد متين الكلام حسن الديباجة فخم المعاني له مدائح و مراث و أهاج و أبيات في الحكمة جميلة.
المختار من شعره:
روى أبو تمّام لمعن بن أوس هذه الأبيات في باب الأدب من كتاب الحماسة:
و إني أخوك الدائم العهد لم أخن... إن ابزاك خصم أو نبابك منزل (2)
أحارب من حاربت من ذي عداوة...و أحبس مالي، ان غرمت، فأعقل (3)
و إن سؤتني يوما صفحت إلى غد... ليعقب يوما منك آخر مقبل (4)
و إني على أشياء منك تريبني... قديما لذو صفح على ذاك مجمل (5)
ستقطع في الدنيا، إذا ما قطعتني... يمينك فانظر أيّ كفّ تبدّل (6)
و كنت إذا ما صاحب رام ظنّتي... و بدّل سوءا بالذي كنت أفعل (7)
قلبت له ظهر المجنّ فلم أدم... على ذاك الاّ ريثما أتحوّل (8)
إذا انصرفت نفسي عن الأمر لم تكن... إليه بوجه، آخر الدهر، تقبل
كان معن بن أوس مئناثا (لا يولد له إلاّ بنات) فكان يحسن صحبة بناته و تربيتهنّ. فولد لرجل من عشيرته بنت فأظهر الكره لها، فقال معن:
رأيت أناسا يكرهون بناتهم... و فيهنّ-لا تكذب-نساء صوالح
و فيهنّ، و الأيام تعثر بالفتى... نوادب لا يمللنه و نوائح (9)
وله قطعة في العتاب و الأدب منها البيتان المشهوران التاليان:
أعلّمه الرماية كلّ يوم... فلمّا استدّ ساعده رماني (10)
و كم علّمته نظم القوافي... فلما قال قافية هجاني
و مما يستجاد من الشعر لمعن بن أوس المزني (ديوان المعاني لابي هلال العسكري، القاهرة، مكتبة القدسي،1352 ه،1:53؛ راجع الأمالي 2:105) :
و ذي رحم قلّمت أظفار ضغنه... بحلمي عنه، و هو ليس له حلم (11)
إذا سمته وصل القرابة سامني... قطيعتها؛ تلك السفاهة و الظلم
و أسعى لكي أبني، و يهدم صالحي... و ليس الذي يبني كمن شأنه الهدم
يحاول رغمي لا يحاول غيره... و كالموت عندي أن ينال له رغم (12)
فإن أنتصر منه أكن مثل رائش... سهام عدوّ يستهاض بها العظم (13)
فبادر منّي النأي؛ و المرء قادر... على سهمه ما دام في كفّه السهم (14)
فان أعف عنه أغض جفنا على القذى... و ليس له بالصفح عن ذنبه علم (15)
حفظت الذي قد كان بيني و بينه... و هل يستوي حرب الأقارب و السلم
فما زلت في لين له و تعطّف ...عليه، كما تحنو على الولد الأمّ
لأستلّ منه الضغن حتّى استللته... و ان كان ذا ضغن يضيق به الحزم
و من قول معن بن أوس في الاخلاق الكريمة (الصناعتين 55) :
لعمرك، ما أهويت كفّي لريبة... و لا حملتني نحو فاحشة رجلي (16)
و لا قادني سمعي و لا بصري لها... و لا دلّني رأيي عليها و لا عقلي
و أعلم أنّي لم تصبني مصيبة... -من الدهر-إلاّ قد أصابت فتى قبلي
و لست بماش-ما حييت-لمنكر... من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي
و لا مؤثرا نفسي على ذي قرابة... و أؤثر ضيفي-ما أقام-على أهلي (17)