الأربعاء، 31 أغسطس 2022

قصة البيت : تعدو الذئاب

مشعل عثمان السعيد

لا يمكن لنا مقارنة الذئب بالكلب، لأن الفرق بينهما شاسع، فلم يكن الكلب في يوممن الأيام في مصاف الذئب، لأن الذئب يفوق الكلب بأمور كثيرة منها: شدة الفتكوالشراسة، ومنها الذكاء والمكر والدهاء، وغيرها والسؤال الذي يتبادر إلى الذهنحين نتأمل هذا البيت:
“تعدو الذئابُ على من لا كلابَ له
وتتّقي مربض المستنفِرِ الحامي”
هل الذئاب تخاف ان تهاجم مكانا به كلاب؟
الإجابة إن الذئاب لا تخاف من الكلاب على الإطلاق، وإنما هي ذكية تعلم أنالكلاب إذا رأتها ستنبح، وإذا نبحت الكلاب قام صاحب المكان وربما قتلها، إذاًهي لاتغير إلا على المكان الذي لاكلاب فيه، فالكلاب دائماً ما تكون مستنفرة علىأهبة الاستعداد، لأنها أصلا للحراسة، من هنا يتضح لنا أن الذئاب تهاجم من لاناصر له، ولا تدنو ممن هو متيقظ ذو صولة، ومن الأمثال كانوا يقولون “ذل منلا سيف له” وذل من لا ناصر له، هذا البيت منسوب للنابغة الذبياني زياد بنمعاوية بن ضباب المتوفى 18 ق، هـ، إلا أني لم أجده في ديوانه، ولكن محمدأبي الفضل إبراهيم قال إن البيت نسب للنابغة في نسخة الشنقيطي المحفوظةبدار الكتب المصرية، ونسب الجاحظ هذا البيت لجرير بن عطية، كما نسبه أبوهلال العسكري في “جمهرة الأمثال” للزبرقان بن بدر، إلا أن ابن سلام الجمحيقال في “طبقات فحول الشعراء” إن من رواه للنابغة يقول:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له
وتتقي مربض المستنفر الحامي”.
ومن رواه للزبرقان بن بدر يقول:
“إن الذئاب ترى من لا كلاب له
وتحتمي مربض المستـثْـفِر الحامي”.
وقد ذكر لكم ذلك للأمانة التاريخية، وقد بنيت على هذا البيت المشهور الكثير منالقصص.
روى صاحب “زهر الأكم في الامثال والحكم” قال: “بينما عمر بن أبي ربيعةالمخزومي يطوف بالبيت إذا أبصر امرأة أعجبته، فاقترب منها وكلمها فنفرت منهوقالت: إليك عني، فإني ببيت الله، وموضع عظيم الحرمة، فألح عمر عليهاوشغلها عن الطواف، فذهبت إلى أهلها وقالت لأخيها: إحضر معي حتى ترينيالمناسكفجاء معها، فلما رآه عمر تباعد عنها، فتمثلت الفتاة بهذا البيت:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له
وتتقي صولة المستنفر الحامي”.
وروى صاحب “الأغاني”، رواية فيها بعض الإختلاف، فقال:”إن عمر بن ربيعةتعرض لامرأة أبو الأسود الدؤلي، وكانت على جانب كبير من الجمال، فبينماهي تطوف بالبيت إذ عرض لها عمر، فأتت زوجها أبا الأسود، فلما عادت المرأةإلى المسجد عاد عمر فكلمها، فأخبرت زوجها مرة ثانية، فأتاه أبو الأسود وهوجالس مع قومه، فقال له:
“وإني ليُثنيني عن الجهل والخَنا
وعن شتم أقوام خلائقُ أربع ُ
حياءٌ وإسلام وتقوى وإنني
كريم، ومثلي قد يضرُّ وينفع
فشتّانَ ما بيني وبينك إنني
على كل حال أسـتقيم وتظلع”.
فقال له عمر: يا عمّ لا أعود لكلامها بعد هذا اليوم، ثم عاد فكلمها، فأتت أباالأسود فأخبرته، فجاء إليه وقال:
“أنت الفتى وابن الفتى وأخو الفتى
وسيدنا لولا خلائق أربع!
نُكول عن الجُلّى وقرب من الخَنا
وبخل عن الجدوى وأنك تُبَّع”.
“تبع، تعني كثير تتبع النساء” ثم خرجت المرأة إلى الطواف وخرج معها أبوالأسود مشتملاً على سيف، فلما رآه عمر أعرض عن المرأة فقال أبو الأسود:
“تعدو الذئاب على من لا كلاب له
وتتقي صولة المستنفر الحامي”.
أيها السادة إن كان بيت الشعر للنابغة فهو ضمن ثلاثة شعراء تقدموا علىجميع شعراء الجاهلية، وهم امرؤ القيس وزهير بن أبي سلمى والنابغة هذا ،وقد سمي النابغة لنبوغه في الشعر، وهناك من قال إن سبب ذلك نبوغه فيالشعر وهو رجل، (ابن قتيبة) وكان قريبا من النعمان بن المنذر، وهو من الأشرافالذين غض الشعر منهم، أما معلقته فيقول فيها:
 يا دارمية بالعلياء فالسند
أقوت وطال عليها سالف الأبد
وقفت فيها أصيلاً كي أسائلها
والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد”.
ذكر أنه كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ، فتقصده الشعراءفتعرض عليه قصائده لمكانته العظيمة، ويعجبني قوله بعد أن شاخ وهي أبياتحكمة:
“المرء يأمل أن يعيش
وطول عيش قد يضره
تفنى بشاشته، ويبقى
بعد حلو العيش مره
وتخونه الأيام حتى
لا يرى شيئاً يسره
كم شامت بي إن
هلكت وقائل لله دره”.

أكتفي بهذا القدر.
جف القلم ونشفت المحبرة، في أمان الله.

كاتب كويتي

قصص من الخيال الغول و العنقاء

  الغول والعنقاء والخل الوفي 3 دقائق للقراءة قالت العرب قديماً إن المستحيلات ثلاث هي: الغول والعنقاء والخل الوفي.. نظرة متشائمة في حضارة احت...