الخميس، 30 أبريل 2020

قصة لقد اسمعت لو ناديت حياً



قصة لقد أسمعت لو ناديت حيـا


لقد أسمعت لو ناديت حيـًا 
ولكن لا حياة لمـن تنادي ،
 ولو نارٌ نفخت بها أضاءت 
ولكن أنت تنفخ في الرماد ،
 ارتبطت الأبيات الشعرية منذ القدم بمجتمعنا العربي ، فنحن قوم الفصاحة والبلاغة ، وفينا أنزل القرآن بلهجة عربية خالصة ، وقد كان للشعر مكانٍة كبيرة على مر الزمن ، وكان الشعراء دومًا مقربين من بلاط الأمراء والملوك ، وكثيرًا ما كنت أشعارهم تعبر عن تجارب ذاتية ، أو معاصرة ، وهذا البيت اشتهر به الشاعر عمرو بن معدي كرب بن ربيعة الزبيدي ، الذي عاش في الفترة بين عامي  525، 642م
ويقول الشاعر في بعض أبيات له :
ألا غدرت بنو أعلى قديما  
 وأنعم إنها ودق المزاد
ومن يشرب بماء العبل يغدر  
على ما كان من حمى وراد
وكنتم أعبدا أولاد غيل         
 بني آمرن على الفساد
لقد أسمعت لو ناديت حيا     
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت       
 ولكن أنت تنفخ في رماد
وهذه الأبيات تقال فيمن لا فائدة فيه ولا رجاء ، ومهما حاولت نصحه لم قصة البيت :
كان بالمدينة رجل كثير المال ، ليس هناك من هو أغنى منه ، وكان له ولد وحيد ماتت عنه أمه وهو صغير ، فأغدق عليه والده المال والدلال حتى أفسده ، وكان الأب رجل كريم كثير الصدقة والعطاء ، وكان كل صباح يأتي إليه رجل فقير بالسوق فيعطيه كسرات من خبز فطوره ، فيجلس إلى جواره حتى يأكل ، وبعدها ينصرف ، وظل الأمر على هذا الحال لسنوات ، حتى اشتد المرض على الأب ، وخاف أن يبدد الابن كل ما ترك ، فحاول نصحه ولكن دون جدوى.
فقد كان رفقاء السوء يحيطون به من كل صوب وحدب ، يصمون أذنه ويعمون عينيه ، لأنهم منتفعين مما هو فيه ، بذخ ومال دون حساب ، ولما اقترب الأجل استدعى الأب أخلص خدمه ، وأمرهم أن يبنوا سقفًا جديدًا لمجلس القصر تحت السقف القديم ، ويصنعوا ما بين السقفين مخزن يضعونه به كمية كبيرة من الذهب ، وأمرهم أن يصنعوا في السقف بوابة ويضعون بها سلسلة حديدية ، إذا تم سحبها للأسفل تنفتح باتجاه الأرض ، وفعلًا فعل الخدم كل ما أراد ، وأبقوا الأمر سرًا عن الابن ، وقبل الرحيل استدعى الأب ولده مرة أخيرة ، وأعاد فيه النصح والوعظ ولكن دون فائدة.
لقد أسمعت لو ناديت حيًا
 ولكن لا حياة لمن تنادي

لقد أذكيت إذ أوقدت نارًا  ولكن ضاعَ نفخُكَ في الرمادِ

ثم قال له : بني إذا مت ، وضاع منك كل شيء ، وغلقت الأبواب في وجهك فعدني ألا تبيع هذا القصر تحت أي ظرف ، وإن فكرت يومًا في الانتحار ففي المجلس الكبير سلسلة معلقة اشنق بها نفسك ، ومت في قصرك ميتة سهلة مستورة ، لم يأخذ الابن كلام أبيه على محمل الجد .
وظل رفقاء السوء ينفقون من ماله حتى أفنوه ، فكسدت التجارة وبيعت المحلات ، ثم البساتين والقصور ، ولم يبق له سوى قصر أبيه ، فباع الأثاث واحدًا تلو الأخر ، وانفض الرفاق من حوله ، وكرهوا صحبته حتى أنه كلما ذهب إلى أحدهم أنكر وجوده ، ورفض لقاءه.
رأيت الناس قد مالوا
 إلى من عنده مالُ
ومن لا عــــنده مالُ
  فعنه الناسُ قد مالوا
رأيت الناس منفضة  
 إلى من عنده فضة
ومن لا عنده فضة    
فعنه الناسُ منفضة
ساءت أحوال الشاب ، ولم يعد عنده ما يقتات به ، حتى ملابسة تمزقت ، ونعله لم يعد يقوى على المسير ، كل الذي كان يجده كسرات من الخبز وبعضًا من الماء يحضرها لها المسكين الذي كان يعطف عليه أبوه في حياته ! .
فضاقت به السبل وأُغلقت في وجهه الطرق ، وضاقت به الأرض بما رحبت ، فقرر أن يضع حدًا لمأساته وينتحر ، وهنا تذكر كلام أبيه ، وتلك السلسلة المتدلية من سقف مجلس القصر ، فأحضر صندوقًا ووقف عليه ، وربط السلسة حول عنقه ، وبعدها أزاح الصندوق بقديمة ليسقط مشنوقا ، فيموت ميتة سهلة يرتاح فيها من الدنيا وكدرها .
ولكنه لم يمت ، لقد فتحت البوابة السرية التي بين السقفين حينما انجذبت السلسة لأسفل ، وسقطت كميات الذهب الكبيرة على رأس الفتي حتى أغرقت ، ففرح فرحًا شديدًا لأن الله فرج كربه ، وذهب إلى السوق واشترى حلو الطعام واللباس ، وجاء بالرجل الفقير وجعله رفيقًا له يقتسم معه الطعام والهندام ، وبدأ في التجارة واسترد أمواله أبيه وبساتينه وخدمه .
ولما سمع رفاق السوء بتبدل حاله ، وما صار فيه من عز وغنى ، أرادوا الوصل والود القديم ، فأعدوا مأدبة فاخرة ودعوه إليها ، فلبى دعواهم ، ودخل ولكنه لم يأكل من الطعام ، فكل ما فعله أن أمسك كم ثوبه وأخذ يضعه في كل صنف ، وبعدها أراد الانصراف ، فاستغرب الرفاق عجيب صنعه ، وسألوه ماذا يصنع ؟ فقال لهم : أنتم ما دعوتموني أنا ، أنتم دعوتم أموالي وملابسي ، وهذا ثوبي قد لبى دعواكم ، أما أنا فلا ، وانصرف عنهم .

اريد حياته ويريد قتلي

فمن ذا عاذري من ذي سفاهٍ
يرودُ بنفسه شـر المـرادِ 

لقد أسمعت لو ناديت حيـا
ولكن لا حياة لمـن تنـادي 

ولو نارٌ نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في الرمـادِ 

أريد حياته ويريـد قتلـي
عذيرك من خليلك من مُراد 

عمرو بن أبي. كرب الزبيدي

السبت، 18 أبريل 2020

ابيات

‏ما ودي أكسر خاطرك يا حياتي
‏بس الزمن غدار  ما فيه مضمون
‏آمل تمسك في دروب النجاتي
‏وأنته سليم القلب والود مصيون
‏مسعد المطيري

الاثنين، 13 أبريل 2020

قصة معن بن أوس

هو معن بن أوس بن نصر بن زياد من بني ربيعة بن عديّ من بني مزينة بن أدّ.
ولد معن بن أوس في أعقاب الجاهلية و بلغ مبلغ الشباب و شهد فيها أيضا معارك نشبت بين بني قومه في الحجاز. ويبدو أنه لما أسلم ووفد على عمر بن الخطّاب استقر في المدينة. و كان معن على شيء من اليسار يملك نخلات في المدينة و شيئا من الأرض في أماكن أخر، و يملك كثيرا من الابل (1). و قد حملته تجارته مرة إلى البصرة و تزوج فيها، و لكن لم تطل إقامته هناك.
و لم يخرج معن بن أوس في الفتوح و لكنه اشترك في الفتنة بين عثمان و عليّ، و كان يتكسّب بمديح نفر من الصحابة في مكّة و المدينة.
و أسنّ معن بن أوس كثيرا و عمي في شيخوخته ثم توفّي في سنة 64 ه‍ (684 م) ، في أول الفتنة بين عبد اللّه بن الزبير و بين مروان بن الحكم.
معن بن أوس شاعر مجيد متين الكلام حسن الديباجة فخم المعاني له مدائح و مراث و أهاج و أبيات في الحكمة جميلة.
المختار من شعره:
روى أبو تمّام لمعن بن أوس هذه الأبيات في باب الأدب من كتاب الحماسة:
و إني أخوك الدائم العهد لم أخن... إن ابزاك خصم أو نبابك منزل (2)
أحارب من حاربت من ذي عداوة...و أحبس مالي، ان غرمت، فأعقل (3)
و إن سؤتني يوما صفحت إلى غد... ليعقب يوما منك آخر مقبل (4)
و إني على أشياء منك تريبني... قديما لذو صفح على ذاك مجمل (5) 
ستقطع في الدنيا، إذا ما قطعتني... يمينك فانظر أيّ كفّ تبدّل (6)
و كنت إذا ما صاحب رام ظنّتي... و بدّل سوءا بالذي كنت أفعل (7)
قلبت له ظهر المجنّ فلم أدم... على ذاك الاّ ريثما أتحوّل (8)
إذا انصرفت نفسي عن الأمر لم تكن... إليه بوجه، آخر الدهر، تقبل
كان معن بن أوس مئناثا (لا يولد له إلاّ بنات) فكان يحسن صحبة بناته و تربيتهنّ. فولد لرجل من عشيرته بنت فأظهر الكره لها، فقال معن:
رأيت أناسا يكرهون بناتهم... و فيهنّ-لا تكذب-نساء صوالح
و فيهنّ، و الأيام تعثر بالفتى... نوادب لا يمللنه و نوائح (9)
وله قطعة في العتاب و الأدب منها البيتان المشهوران التاليان:
أعلّمه الرماية كلّ يوم... فلمّا استدّ ساعده رماني (10)
و كم علّمته نظم القوافي... فلما قال قافية هجاني
و مما يستجاد من الشعر لمعن بن أوس المزني (ديوان المعاني لابي هلال العسكري، القاهرة، مكتبة القدسي،1352 ه‍،1:53؛ راجع الأمالي 2:105) :
و ذي رحم قلّمت أظفار ضغنه... بحلمي عنه، و هو ليس له حلم (11)
إذا سمته وصل القرابة سامني... قطيعتها؛ تلك السفاهة و الظلم
و أسعى لكي أبني، و يهدم صالحي... و ليس الذي يبني كمن شأنه الهدم
يحاول رغمي لا يحاول غيره... و كالموت عندي أن ينال له رغم (12)
فإن أنتصر منه أكن مثل رائش... سهام عدوّ يستهاض بها العظم (13) 
فبادر منّي النأي؛ و المرء قادر... على سهمه ما دام في كفّه السهم (14)
فان أعف عنه أغض جفنا على القذى... و ليس له بالصفح عن ذنبه علم (15) 
حفظت الذي قد كان بيني و بينه... و هل يستوي حرب الأقارب و السلم
فما زلت في لين له و تعطّف ...عليه، كما تحنو على الولد الأمّ
لأستلّ منه الضغن حتّى استللته... و ان كان ذا ضغن يضيق به الحزم
و من قول معن بن أوس في الاخلاق الكريمة (الصناعتين 55) :
لعمرك، ما أهويت كفّي لريبة... و لا حملتني نحو فاحشة رجلي (16) 
و لا قادني سمعي و لا بصري لها... و لا دلّني رأيي عليها و لا عقلي
و أعلم أنّي لم تصبني مصيبة... -من الدهر-إلاّ قد أصابت فتى قبلي
و لست بماش-ما حييت-لمنكر... من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي
و لا مؤثرا نفسي على ذي قرابة... و أؤثر ضيفي-ما أقام-على أهلي (17)

قصص من الخيال الغول و العنقاء

  الغول والعنقاء والخل الوفي 3 دقائق للقراءة قالت العرب قديماً إن المستحيلات ثلاث هي: الغول والعنقاء والخل الوفي.. نظرة متشائمة في حضارة احت...